توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رستم غزالة... الذي مات على دفعات

  مصر اليوم -

رستم غزالة الذي مات على دفعات

خيرالله خيرالله

هناك أشخاص يموتون على دفعات. أحد هؤلاء رستم غزالة الضابط السنّي في الجيش السوري الذي أعلنت وفاته قبل أيّام، بعد أسابيع قليلة من خروجه من موقع مدير شعبة الأمن السياسي.

في الواقع مات رستم، قبل عشر سنوات من موته جسديا. مات، مع انتهاء صلاحيته في اليوم الذي خرجت فيه القوات السورية من لبنان على دم رفيق الحريري ورفاقه.

مات رستم غزالة نظريا قبل عقد من الزمن، بعدما أدّى الدور المطلوب منه في مرحلة معيّنة. كان دوره محصورا، وقتذاك، بتأكيد أن هناك مرجعية سورية جديدة بالنسبة إلى اللبنانيين ولبنان. إنّها المرجعية التي أتت بإميل لحّود رئيسا للجمهورية في العام 1998. كان مطلوبا مكافأة إميل لحّود على منعه أيّ محاولة جدّية، من أيّ نوع، لنشر الجيش في جنوب لبنان تمهيدا للانسحاب الإسرائيلي الذي كان مطروحا بشكل جدّي تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978.

هذه المرجعية السورية الجديدة تختلف تماما عن تلك التي كانت معتمدة سابقا، قبل أن يحلّ بشّار الأسد مكان والده بشكل تدريجي، وصولا إلى خلافته في منتصف العام ألفين. هذا لا يعني في أي شكل أن المرجعية القديمة كانت صالحة، وغير فاسدة، على الرغم من إصرار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على الإشادة في كلّ مناسبة بأحد أركانها، هو العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان السابق. كان الشهابي من سنّة الأطراف الذين كانوا موضع ثقة حافظ الأسد، ولكن كان مطلوبا إبعاده في مرحلة الإعداد لخلافة بشّار لوالده.

تأكيد وجود مرجعية جديدة للبنان، كان معنى حلول رستم غزالة السنّي مكان غازي كنعان العلوي في السنة 2002. كان مطلوبا من اللبنانيين أخذ علم بسياسة مختلفة في سوريا، تقوم أوّل ما تقوم على التعاون الكامل مع “حزب الله” بصفة كونه ذراعا إيرانية.

لم يكن رستم، بحدّ ذاته، يوما شخصا مهمّا. قصته تختزل قصص عشرات الضبّاط السنّة، الآتين من خلفية اجتماعية متواضعة، في الجيش السوري. على هؤلاء أن يثبتوا يوميا مدى ولائهم للنظام العلوي، ومدى الاستعداد للذهاب بعيدا في ممارسة كلّ أنواع القمع من أجل إثبات أنّهم يستأهلون الثقة التي وُضعت فيهم. كان ذلك واجبا يوميا مفروضا على كلّ ضابط في ضوء الكره الذي كان يكنّه حافظ الأسد لسنّة المدن الكبيرة، الذين سارع إلى إبعادهم عن أي موقع مهمّ في المؤسسة العسكرية، تمهيدا لتهميشهم سياسيا.

كانت المرحلة التي حلّ فيها رستم غزالة مكان غازي كنعان، مرحلة الضغط على رفيق الحريري بطلب مباشر من بشّار الأسد الذي بدأ منذ ما قبل توليه الرئاسة، أي منذ راحت الحال الصحّية لوالده تتدهور في العام 1998، يركّز على خطّ سياسي جديد. فحوى هذا الخط الاستسلام كلّيا لإيران ولـ“حزب الله” بدل اعتماد نوع من التوازن بين ما هو عربي وغير عربي في المنطقة… من منطلق علوي أوّلا.

برع حافظ الأسد في إتقان لعبة التوازن، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى الأرض اللبنانية حرص دائما على أن يكون “حزب الله” في خدمته كورقة تستخدم في منع بناء مؤسسات الدولة اللبنانية وتستنزف الجنوب اللبناني وأهله. كان خوف الأسد الأب من عودة الدولة اللبنانية القوية المعافاة، ومن غياب القدرة على إبقاء جرح الجنوب اللبناني جرحا نازفا يعوّض عن التفاهم الضمني مع إسرائيل الذي أغلق جبهة الجولان في العام 1974. كانت هناك نقاط التقاء كثيرة بين حافظ الأسد وإيران. لكنّه كان يدرك في كلّ وقت أن عليه إخفاء الإرتباط المذهبي بها كي يتمكن بين وقت وآخر من المحافظة على هامش مناورة مع العرب الآخرين.

تكمن أهمّية رستم غزالة في أنّه تعبير عن مرحلة لعب فيها الدور المطلوب منه. ذهب رستم بعيدا. تحوّل من ضابط صغير جاء إلى لبنان وكان ثمنه “غروس مارلبورو” (عشر علب مارلبورو)، على حدّ تعبير شخص عرفه في بلدة حمّانا الإستراتيجية، إلى وصيّ على البلد. لم تعد تكفيه ملايين “بنك المدينة” الذي طلب بشّار الأسد من الشهيد رفيق الحريري في الشهر الأخير من السنة 2003 عدم الإشارة إليه في وسائل الإعلام التابعة له، لا من قريب ولا من بعيد. لم يكن الطلب بلغة مهذّبة بأي شكل من الأشكال، بل كان مرفقا بتهديد كان ثلاثة ضباط، أحدهم رستم، شهودا عليه.

تحكي قصة رستم غزالة، قصة الضابط السنّي المصرّ على تسلّق السلّم في نظام علوي، صار مع بشّار الأسد نظاما عائليا، مأساة سوريا بكلّ أبعادها.

فبعد الخروج العسكري والأمني من لبنان، صار رستم مضطرا إلى تلقي الضربة تلو الأخرى، خصوصا أنّه كان يعرف الكثير عن لبنان والفضائح السورية فيه، وعن المراحل التي مرّ بها الإعداد لاغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005.

من الصعب الجزم بأن رستم كان يعرف التفاصيل الدقيقة للإعداد للجريمة، ذلك أن مثل هذه التفاصيل تبقى ضمن دائرة ضيقة جدا في دمشق وطهران. لكن الأكيد أنّه كان في أجوائها، مثله مثل كثيرين آخرين في لبنان وسوريا يعرفون شيئا عن نفسية بشّار الأسد وذهنيته، وعن المشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع الذي وجد في الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لانطلاقة جديدة في كلّ الاتجاهات، خصوصا في سوريا ولبنان…

مات رستم موتا بطيئا. عرف أنّه انتهى في السادس والعشرين من أبريل 2005، يوم غادر آخر جندي سوري الأراضي اللبنانية. في سوريا، عاد رستم ضابطا سنّيا لا أكثر، أي ضابطا من الدرجة الثانية عليه أن يحظى يوميا برضا مسؤوله العلوي. لم تعد لديه مهمّة يستطيع تأديتها غير إظهار الولاء. والولاء يعني، أوّل ما يعني، ممارسة كلّ ما أمكن من وحشية مع أهل منطقته الثائرين على النظام.

هل من قصاص أكبر من هذا القصاص الذي لا يليق سوى بمن على شاكلة هذا النوع من الضبّاط؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رستم غزالة الذي مات على دفعات رستم غزالة الذي مات على دفعات



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon