العراق انضم نهائيا إلى المحور الإيراني ولا شيء يفرق، بعد الآن، بين نوري المالكي وحيدر العبادي.. الرجلان من الحزب نفسه ومن المدرسة الفكرية نفسها.
لم يعد من وهم في شأن طبيعة النظام القائم في العراق. زال كلّ وهم في غضون أقلّ من أسبوع. هناك انضمام عراقي واضح كلّ الوضوح لما يسمّى محور “الممانعة” و”المقاومة” الذي تقوده طهران. حُسم الأمر أخيرا بعدما احتجت وزارة الخارجية العراقية على حكم قضائي صدر في البحرين على رجل دين شيعي اسمه علي سلمان يرأس إحدى الجمعيات في البلد.
قبل كلّ شيء، إنّ علي سلمان مواطن بحريني، وقد حكم عليه بالسجن أربع سنوات لأسباب مرتبطة بنشاط تعتبره السلطات في البحرين ذا طابع عنفي.
يمكن مناقشة هذا الأمر المتعلّق بالعدالة في البحرين وما إذا كان الشيخ سلمان، وهو معارض للنظام، يستأهل العقوبة التي نالها أم لا. المستغرب أن تضع الخارجية العراقية نفسها في موقع المسؤول عن مواطنين بحرينيين من منطلق مذهبي ليس إلاّ. هل إبراهيم الجعفري هو وزير خارجية العراق، الدولة العضو في جامعة الدول العربية.. أم وزير خارجية إيران، بل موظّف لدى الخارجية الإيرانية، التي لديها رأيها في ما يدور في البحرين؟ ليس سرّا فالرأي الإيراني مخالف كلّيا لموقف العرب عموما والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الحريصة على الأمن والاستقرار في المملكة الصغيرة.
يُعتبر مثل هذا التطوّر في غاية الخطورة، لا لشيء، سوى لأنّه يكشف أن العراق انضم نهائيا إلى المحور الإيراني وأن لا شيء يفرّق، بعد الآن، بين نوري المالكي وحيدر العبادي.
حاول المالكي عندما تولّى رئاسة الوزراء للمرّة الأولى أن يضع مسافة بينه وبين طهران، خصوصا عندما طالب بتحويل بشّار الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية. لكنّه ما لبث أن تراجع كليّا عن كلّ ما قاله عن النظام السوري وإرسال النظام لإرهابيين لتنفيذ تفجيرات في بغداد وفي أنحاء أخرى من العراق.
كانت نقطة التحوّل بالنسبة إلى المالكي في العام 2010، عندما حلت لائحته في المركز الثاني في الانتخابات العراقية. كان مفترضا أن يشكل أيّاد علاّوي الحكومة الجديدة، في ضوء ما أسفرت عنه الانتخابات، وذلك بعدما حلّت لائحة علاوي (القائمة العراقية) في المركز الأوّل. لم يحدث شيء من هذا القبيل. عارضت إيران تولّي علاّوي، الذي كان مدعوما عربيا، رئاسة الوزراء وفرضت بالاتفاق مع الإدارة الأميركية نوري المالكي. شكّل الأخير نصف حكومة، لكنّه تولّى عمليا السلطة في العراق وصار أسير إيران كليّا.
اضطرّ المالكي إلى التخلي عن رئاسة الوزراء قبل سنة تقريبا عندما سيطر “داعش” على الموصل ومناطق عراقية أخرى في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنها مريبة.
يتبيّن الآن أن شيئا لم يتغيّر في العراق. إذا كان من تغيّر، فإنّ هذا التغيّر نحو الأسوأ. هناك استغلال إيراني إلى أبعد حدود لتقدّم “داعش” في المناطق العراقية ذات الأكثرية السنيّة. بات تقدّم “داعش” في كلّ الاتجاهات مبرّرا لتأكيد أن العراق صار مستعمرة إيرانية بكلّ معنى الكلمة. ليس الموقف من الحكم الصادر في البحرين في حقّ مواطن بحريني دليلا على ذلك فحسب، هناك أيضا كلام عن تنسيق إيراني ـ عراقي ـ سوري في مجال مكافحة الإرهاب الذي يمثّله “داعش”.
ما كان مخفيا إلى حدّ ما في عهد نوري المالكي، صار مكشوفا إلى حدّ كبير في عهد حيدر العبادي. الرجلان من الحزب نفسه ومن المدرسة الفكرية نفسها. إنّها المدرسة التي أنجبت “الحشد الشعبي”، أي الميليشيات المذهبية التي صارت تلعب دور الجيش العراقي المفترض أن يكون جيش العراقيين جميعا. الجيش العراقي، كما هو مفترض، جيش وطني وليس جيشا مذهبيا يشكّل غطاء لميليشيات تابعة لأحزاب معيّنة مرجعيّتها في طهران وليس في بغداد.
بين الاعتراض العراقي على حكم قضائي صدر في البحرين وتنسيق أمني إيراني ـ عراقي ـ سوري، يظهر عمق التغيير الذي يشهده العراق. لم يعد هناك أيّ حياء في تأكيد أن العراق تابع لإيران وأنّه يسير في ركب ما يتقرّر في طهران. هناك حملة على البحرين يشنّها النظام في طهران ويشارك فيها التابعون له مثل “حزب الله” في لبنان. ليس أمام بغداد سوى السير في تلك الحملة، خصوصا أنّ وزير الخارجية في حكومة حيدر العبادي هو عضو آخر في “حزب الدعوة الإسلامية” الذي صار بمثابة الحزب الحاكم في العراق.
في الماضي القريب، كان للعراق وزير للخارجية هو الكردي هوشيار زيباري. كان زيباري يمتلك حدّا أدنى من الحسّ السياسي للمحافظة على العلاقات العربية للعراق وإن في حدود معيّنة. كان زيباري رجل دولة بالفعل يضع مصالح العراق فوق أيّ شيء آخر. بالنسبة إليه، كان العراق فوق الانتماء القومي والمناطقي خلافا للمالكي أو العبادي أو الجعفري الذين يضعون المذهب فوق كلّ اعتبار!
يبقى سؤال في غاية الأهمّية. ما الذي يجعل إيران تذهب إلى الحدّ في تأكيد أنّها تسيطر على القرار العراقي، بما يشكّل إهانة لأيّ عراقي يمتلك بعض الحسّ الوطني؟
الواضح من كلّ ما نشهده في المنطقة، أنّ إيران على عجلة من أمرها. تريد تكريس كونها لاعبا إقليميا وليس صحيحا أنّها تتراجع في كلّ مكان خارج حدودها. تسعى إيران إلى تأكيد أنّها لا تزال تتحّكم بالعراق أكثر من أيّ وقت وأن سوريا لا تزال تحت السيطرة وأنّ لبنان رهينة لديها، كذلك اليمن. هذا دليل ضعف. من يدفع العراق إلى مهاجمة البحرين، إنّما يسيء إلى العراق. من يدعم النظام السوري في وقت يتبيّن أن هذا النظام صار في مزبلة التاريخ، لا يعرف شيئا عن سوريا. ومن يمنع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، إنّما يمارس عملية ابتزاز تعود بالويلات على اللبنانيين ليس إلاّ. لا يمكن لهذه العملية سوى أن ترتدّ على أصحابها عاجلا أم آجلا.
من يدعم الحوثيين في اليمن، إنّما يرفض أن يستعيد اليمن عافيته يوما، نظرا إلى أن الحوثيين، أو “أنصار الله”، لا يمتلكون مشروع دولة في اليمن. كلّ ما يمتلكونه مشروع لتقسيم البلد وترسيخ الشرخ المذهبي والمناطقي فيه.
كلّ ما سبق لا يمنع من توجيه شكر لإيران. لا يمكن إلاّ شكرها على كشف آخر ورقة تين كانت حكومة حيدر العبادي تتلطى بها. فبعد الحملة العراقية على البحرين، لا مجال سوى لتنظيم حفلة رسمية يعلن فيها انضمام العراق إلى محور “الممانعة” و”المقاومة”. محور ليس فيه لا ممانعة ولا مقاومة بل استثمار في الغرائز المذهبية لعلّ ذلك يغيّر طبيعة المنطقة وخرائط الدول فيها.. لمصلحة إسرائيل أوّلا.