توقيت القاهرة المحلي 00:42:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معنى عودة محمد السادس إلى العيون

  مصر اليوم -

معنى عودة محمد السادس إلى العيون

خيرالله خيرالله

أن يعود الملك محمّد السادس إلى العيون، عاصمة الصحراء المغربية، التي يزورها للمرّة الثانية في غضون أقلّ من أربعة أشهر، دليل على تلك الإرادة الراسخة التي لا تتزحزح الموجودة لدى القيادة المغربية، وهي إرادة مستمدّة من الشعور السائد لدى المواطن المغربي العادي لا أكثر ولا أقلّ.
لا عودة مغربية إلى الخلف من جهة، فيما مشروع الحكم الذاتي الموسّع الذي يشمل كل المحافظات في المملكة أقصى ما يمكن أن تذهب إليه الرباط من جهة أخرى. من يبحث عن حلول خارج هذا المفهوم واهم، ولا شيء آخر غير ذلك.

كان العاهل المغربي في العيون في نوفمبر الماضي. جاء إليها للاحتفال بالذكرى الأربعين لـ”المسيرة الخضراء”. كانت تلك المسيرة تعبيرا عن إرادة شعبية في عودة الصحراء إلى المغرب بعد خروج المستعمر منها.

في سبعينات القرن الماضي، سعى الملك الحسن الثاني، رحمه الله، بكل ما يستطيع إلى تجاوز كلّ الحساسيات القائمة في وقت لم تكن الجزائر تبدي، أقلّه ظاهرا، اي اهتمام بالصحراء وتتظاهر بأنّها مع الوحدة المغاربية ومع التعاون بين دول المنطقة، وأن كلّ ما يهمّها هو خروج الاستعمار الأسباني من الصحراء.

من هذا المنطلق، كان هناك في البداية تعاون في شأن الصحراء بين المغرب وموريتانيا، أيّام كان فيها رئيس عاقل هو مختار ولد داده الذي رحل عن عالمنا في العام 2003. لم يأت هذا التعاون من فراغ، بل جاء نتيجة قمّة ضمت الحسن الثاني وولد داده وهواري بومدين. انعقدت تلك القمّة في نواديبو في العام 1970، ولم يظهر فيها الجانب الجزائري، أقلّه علنا، أن لديه أي أطماع في الصحراء التي كانت تحت سلطة أسبانيا. تلطّى الجانب الجزائري بكل الشعارات التي تنادي بالحرية من أجل الإيحاء بأنّه موافق على أيّ حل شرط خروج أسبانيا من تلك الأرض المغربية، استنادا إلى كلّ الوثائق التاريخية.

لم يدر في خلد المغرب يوما أن هناك مشاريع أخرى للجزائر تقوم على استخدام استعادته الصحراء من أجل خوض حرب استنزاف لاقتصاد المملكة عن طريق “بوليساريو” وأشياء وأدوات من هذا القبيل.

امتلك المغرب في كلّ وقت سياسة براغماتية تقوم، أوّل ما تقوم، على تفادي النزاعات في المنطقة وإيجاد صيغ للتعاون بين دولها وشعوبها، وذلك على الرغم من كلّ الظلم الذي لحق به تاريخيا. في أساس هذا الظلم الخوف الفرنسي الدائم من أنّ المملكة المغربية دولة حقيقية لديها شرعية، وأن الملك فيها يستمد شرعيته من الشعب مباشرة ومن العقد القائم بين العرش وهذا الشعب، وذلك من خلال مؤسسة عمرها مئات السنين وليست وليدة انقلاب عسكري كما هو الحال في الجزائر أو في موريتانيا منذ سقوط ولد داده واعتقاله في العام 1978.

هناك جانب آخر يفسّر الظلم اللاحق بالمغرب. يتمثّل هذا الجانب في أن المستعمر الفرنسي كان يعتقد، دائما، أن الجزائر ستبقى فرنسية إلى الأبد. لذلك، كان يعمل باستمرار على ضمّ أراض مغربية إليها. كانت هذه الأراضي في معظمها أراضي مغربية لا مجال لأي نقاش في شأن هويتها. مع ذلك، تجاوز المغرب هذه المسألة من أجل المحافظة على نوع من الوحدة السياسية والتفاهم بين دول المغرب العربي، حتّى لو كان ذلك على حسابه.

جاء محمّد السادس ليؤكد السياسة التقليدية للمغرب ويثبّتها. تقوم هذه السياسة على تفادي أي اصطدام مع دول الجوار، ولكن من دون أي تنازل عن الحقوق المغربية.

يستطيع المغرب الانتظار. هناك انصراف إلى الاهتمام بالشؤون الداخلية للمملكة، بما يخدم المواطن. يشمل ذلك تكريس اللا مركزية، أي ما يسمّى الجهوية، وهو ما يشدّد عليه العاهل المغربي منذ فترة طويلة، فضلا عن تطوير مصادر الطاقة البديلة. لذلك، افتتح العاهل المغربي قبل وصوله إلى العيون الحقل الأكبر في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية في ورزازات، في الجنوب المغربي. يمتلك المغرب وسائل كثيرة لتطوير نفسه. لن يتردّد المغرب في الإقدام على ما يحفظ على مصالحه من منطلق أنّ لا مجال لإضاعة الوقت في شأن كلّ ما له علاقة بخدمة المواطن والبلد.

لعلّ أهمّ ما في عودة محمّد السادس إلى العيون في غضون أقلّ من أربعة أشهر، أن المغرب لا يتردّد حيث لا مجال لذلك. لا تردّد في تأكيد مغربية الصحراء، ولا تردّد في متابعة عملية استيعاب أهل الصحراء كي يكونوا مواطنين مغاربة لا تفريق بينهم وبين أي مواطن آخر أكان في مكناس أو في طنجة أو تطوان أو وجدة أو الدار البيضاء أو الرباط أو مراكش… أو ورزازات.

هناك اهتمام بكل منطقة ومدينة وبلدة مغربية، خصوصا بالعيون. هذا المفهوم جزء لا يتجزّأ من سياسة تقوم، أوّل ما تقوم، على المتابعة. ليس طبيعيا وضع الحجر الأساس لمشروع معيّن وترك التنفيذ لمشيئة من على عاتقه تنفيذ المشروع. هناك متابعة مستمرّة ودؤوبة تستهدف معرفة التقدّم الذي تحقّق في مجال التنفيذ، مع مراقبة نوعية العمل المنفّذ. تلك أهمّية المغرب في عهد محمّد السادس. لا شيء متروكا للقدر. هناك متابعة يومية لكلّ ما يجري في البلد. هناك خطة طوارئ لمواجهة موجة الجفاف وضعت موضع التنفيذ. استفاد اقتصاد المغرب من هبوط أسعار النفط، لكنّ الظروف لم تساعده هذه السنة لأن الأمطار لم تكن كافية. والمغرب بلد زراعي أوّلا وسقوط الأمطار يُعتبر في غاية الأهمّية بالنسبة إليه.

ليس هناك استعداد مغربي للاستسلام. هناك رغبة واضحة في التعاطي مع الواقع والمشاكل الناجمة عنه، بما في ذلك الجفاف.

يحارب المغرب على جبهات عدّة. في كلّ معاركه، هناك خطوط لا يمكن تجاوزها. لا يمكن تجاوز مغربية الصحراء، ولا عودة إلى الخلف في مواجهة الإرهاب بكل أشكاله، ولا تراجع عن الإصلاحات السياسية التي مكّنت المغرب من تجاوز جنون “الربيع العربي” بأقل مقدار من الخسائر. على العكس من ذلك، كان “الربيع العربي” فرصة لتطوير النظام المغربي والخروج بدستور جديد يستجيب لطموحات المواطن العادي وتطلّعاته، خصوصا في مجال اللا مركزية.

لا شيء ينجح مثل النجاح، كما يقول الأميركيون. إلى الآن، هناك قصة نجاح في المغرب. لكن هذه القصة لا يمكن أن تكتمل من دون تعاون على الصعيد الإقليمي أقلّه في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرّف بعيدا عن عقد الماضي وإغلاق الحدود منذ العام 1994 بين بلديْن، هما المغرب والجزائر، يفترض أن لا يكون ما يفرّق بينهما.

استطاع المغرب تجاوز الحرب التي تشنّها عليه الجزائر عبر ما يسمّى “بوليساريو”، وهي حرب بالوكالة ليس إلّا. ألم يحن الوقت لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين الأكبر في المغرب العربي بغية إيجاد حلول تتجاوز الإرهاب والدور الذي تقوم به “بوليساريو”، وغير “بوليساريو”، في خدمة هذه الآفة؟

هناك بكل بساطة الوضع في تونس والوضع في ليبيا. ألم يحن الوقت لوقفة شجاعة مع النفس تجعل الجزائر تتخلّص من العقدة المغربية… أم أن العقدة المغربية تتجاوز كل العقد الجزائرية ولا مجال للخلاص منها؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معنى عودة محمد السادس إلى العيون معنى عودة محمد السادس إلى العيون



GMT 18:45 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

2025 عـــام النجاح والحـــــذر

GMT 17:15 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لا للعفو العام.. نعم لسيادة القانون

GMT 17:14 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 17:13 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والعدوان اللذان شطبتهما 2024...

GMT 17:11 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

وجهة نظر مختلفة في قانون المسئولية الطبية

GMT 17:10 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

العتاة يلجأون أيضاً

GMT 07:23 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

الطبيب الروسي عبد الكريموف مع الملك عبد العزيز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة
  مصر اليوم - مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 09:24 2023 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى إبراهيم تكشف كيف تظهر بصحة جيدة رغم محاربتها المرض

GMT 11:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات العبايات الأنيقة والعصرية هذا العام

GMT 08:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

روتين ضروري قبل النوم للحفاظ على نضارة البشرة

GMT 07:12 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يعلق على رسالة طارق حامد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon