توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جغرافيا الانتداب الإيراني

  مصر اليوم -

جغرافيا الانتداب الإيراني

بقلم مصطفى فحص

 التصريح الأخير الذي أدلى به المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيراني السيد علي خامنئي، القائد السابق في الحرس الثوري الجنرال يحيى رحيم صفوي، عن «تمدد خط الدفاع الإيراني من الحدود مع العراق ليصبح في جنوب لبنان عند الحدود مع إسرائيل»، إضافة إلى تصريح سابق كان قد أعلن فيه صفوي أن «ساحل البحر الأبيض المتوسط يمثل العمق الاستراتيجي لبلاده»، يأتيان مجتمعين بعد غياب عن مناطق حوض المتوسط استمر قرابة 2500 عام.
ويشكل تصريح صفوي الأخير إعلانا صريحا عن شروع إيران في فرض انتداب واضح المعالم على دول المنطقة، يبدأ من العراق ويمر بسوريا ويصل حتى جنوب لبنان، ويتشعب نحو أفغانستان واليمن والسودان وغزة، ويطمح إلى إقناع المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة بالاعتراف به، ويجبرهما على التعامل مع طهران على أساس هذا التمدد الجيوسياسي. لكن الدول العربية اليوم، رغم ترهلها، ليست على شاكلة السلطنة العثمانية المريضة قبل مائة عام، كما أن إيران ليست بحجم فرنسا وبريطانيا قوة ومكانة، لكي تقدم نفسها ناظما حتميا لواقع جغرافي جديد لم يتبلور بعد في شرق المتوسط، كذلك ليس في نية واشنطن وغيرها إعادة صفة شرطي الخليج لطهران، فسلامة منابع الطاقة وحماية ممراتها واستقرار أنظمتها، مسألة على درجة كبيرة من الحساسية بالنسبة للمجتمع الدولي، تلغي أحلام طهران بالشراكة أو تقاسم النفوذ.
في المقابل، تصر طهران على لعب دور الوكيل في المنطقة، وتحلم بأن تصبح دولة انتداب، لهذا تدفع بكل ما لديها من إمكانات ووسائل عقائدية سياسية ومادية وعسكرية، لفرض زمن إيراني جديد، مستفيدة من التغييرات التي سببها؛ أولا الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، والانتفاضات العربية منذ أربع سنوات، ثانيا.
وفي حين تحتاج الشعوب العربية المنتفضة إلى عقود من أجل بلورة أنظمة وطنية جديدة، بعد التغييرات الجذرية التي أحدثتها الثورات في أنظمتها السياسية، ودفعتها إلى الخروج من ثوابت مائة عام من الموروث العثماني المستقر في السياسة والجغرافيا، تعتقد طهران أنها الثابت الوحيد في الجغرافيا السياسية في المنطقة.
من جهة ثانية، اعترف صفوي في تصريحه، ومن حيث لا يدري بأن «الأزمة السورية هي أحد الأحداث العظيمة في التاريخ المعاصر»، فهي بالنسبة له ولنظامه حسب رأيه طبعا، مواجهة بين محور يحمل أفكارا غربية صهيونية وعربية، وآخر هو إيران والعراق وحزب الله، أضاف إليهما روسيا والصين. والمفارقة الخطيرة هنا أنه ساوى بين الصهيونية والعروبة واعتبرهما، إضافة إلى الأفكار الغربية، أعداء للمحور الذي تتزعمه طهران، وهذا ما أوقعه في المحظور، حيث ربط مذهبيا بين بلاده والعراق وحزب الله، بينما رفض الاعتراف بالانتماء العربي لسوريا، وربطها بنظام المصالح الإيرانية، مما يحول سوريا إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المذهبية، والصراعات القومية والطائفية، حيث تحدد فيها خيارات المنطقة ومستقبلها، وحيث يصعب على اللاعبين التراجع.
لقد انسحبت واشنطن من العراق تاركة طهران تغرق وحدها في شياطين التفاصيل، فسقط الكيان العراقي وتشظت الدولة وأصبحت عبئا على طهران. في لبنان، انقلبت طهران على التوازن الوطني، ففشل حزب الله في إدارة حكومة اللون الواحد التي فرضها على اللبنانيين، في الأزمة السورية انحازت إلى جانب الأسد ضد الشعب السوري، وحاربت إلى جانبه، مخلفة بلدا مدمرا غير قابل للحياة على مدى السنوات المقبلة.
ولتوصيف الانتداب الإيراني أو الطموحات «الكولونيالية» الجديدة، التي يبدو أنها تبني مجدها على دمار الآخرين، لا بد من الاستعانة بما كتبه الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط في مقالته «زمان الوصل بالأندلس» الذي نشرته صحيفة «القبس» الكويتية، حيث وصف مهندس النفوذ الإيراني الخارجي الجنرال قاسم سليماني «مستثمرا ومهندسا معماريا عظيما، متخصصا في التصميم الريفي، الذي قد يكون مهتما ببناء متحف في غرينيكا بالقرب من متحف غوغنهايم، حيث يمكنه عرض المخططات الجديدة لمدينتي حلب وحمص وأجزاء من سوريا».
نقلا عن الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جغرافيا الانتداب الإيراني جغرافيا الانتداب الإيراني



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon