توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان... انقلاب على الصيغة والجمهورية

  مصر اليوم -

لبنان انقلاب على الصيغة والجمهورية

بقلم: مصطفى فحص

جرت العادة أن يكتب المنتصر التاريخ، وفقاً لشروطه، وعندما تفيض قوته ويتمكن، يحاول إعادة كتابة التاريخ بصيغة جديدة تلبي طموحاته. وفي الحديث عن الصيغة، لم تعد الصيغة اللبنانية ملائمة لحضور الثنائية الشيعية («حركة أمل» و«حزب الله») في الدولة، وبات من الضروري لديها في مرحلة إقليمية ومحلية محتدمة ومجهولة المصير استعجال هدم ما تبقى من دولة الاستقلال (1943) وملحقاتها في «اتفاق الطائف» (1989). ولتحقيق هدفها لم تتردد الثنائية باستخدام لغة انقلابية للمطالبة بإعادة صياغة الجمهورية والدولة، وفقاً لقياساتها الطائفية والحزبية، وهي تُشرع لنفسها الاستقواء على الداخل المعترض بخارجها المندفع، والاستقواء على الخارج المعارض بداخلها المتصلب. لكن وإن تسترت بقوتها وصلابتها، فإنها تقر ضمناً بأن ثابتها الداخلي يرتبط بخارج متحول، وهو ما قد يعرضها لخسائر خارجية وداخلية، خصوصاً إذا راهنت على عامل القوة فقط كما فعل من سبقها ممن رجحوا القوة على التسوية المعقولة.
عشية الحرب الأهلية 1975، أخطأ اليمين المسيحي في صراعه مع اليسار على الدولة والسلطة، عندما اختزل القضية اللبنانية بقضية الطائفة، واختزل الطائفة بالحزب، واختزل الحزب بالشخص، واختزل الأخير مصلحة الحزب والمذهب والطائفة والمجتمع والدولة والوطن بشخصه، وبعد 45 سنة على ذلك التاريخ المشؤوم، لم تتعلم الطوائف الصاعدة من تجارب من سبقها، وتُصر على تكرار الأخطاء ذاتها، وتلجأ إلى خيارات انقلابية دفاعاً عن امتيازاتها، وتعيد طرح أسئلة وجودية محقة نسبياً في مضمونها لكنها خطيرة في جوهرها.
مما لا شك فيه أن انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، دفعت الطوائف الحاكمة ليس فقط للدفاع عن امتيازاتها، بل إلى القلق على مستقبلها، بعد أن طرح اللبنانيون مقاربة جديدة للجمهورية الثالثة تستعيد فيها الدولة وظيفتها وتضع حداً لوظيفة الطوائف. ولم تتردد أدبيات الانتفاضة عن طرح السؤال الأكثر تعقيداً الذي يتعلق بوظيفة لبنان، وهو السؤال الذي يُحرج ويربك أصحاب المشاريع الإقليمية، خصوصاً «حزب الله»، الذي حسم موقفه مبكراً من الانتفاضة، بعد أن قطعت الانتفاضة الطريق على صيغة أعدّها لجمهورية تتلاءم مع ما يسميه فائض قوته وصعوده. لذلك لم يتردد أمينه العام حسن نصر الله في خطابه الأخير بالغمز من قناة 17 تشرين، التي وصفها بـ«أحداث تشرين»، واعتبر أنها كانت رهاناً إسرائيلياً. هذا الموقف هو مقدمة لمرحلة مقبلة شديدة الحساسية نتيجة اللاءات الداخلية التي رفعها «حزب الله»، المتعلقة بالوضع الاقتصادي، وشروط المجتمع الدولي، والقلق من أن هذه الشروط قد تطال سلاحه.
لا تملك الثنائية الشيعية أجوبة عن أسئلة اللبنانيين، وتزداد حيرتها مع تزايد الضغط على مشروعها، الذي فقد جاذبيته المحلية والخارجية نتيجة أعبائه المكلفة، ومن أجل حماية مشروعها انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، وهو ما جاء على لسان المفتي الجعفري أحمد قبلان، الذي فاجأ اللبنانيين في خطبة عيد الفطر بنسفه 100 سنة من تاريخهم الحديث، عندما قال «أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت».
قدم قبلان نفسه كأنه يريد استعادة حق مهدور منذ 1943، والقضاء على مؤامرة كان الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح طرفيها، ونفذاها ضد مكون لبناني عن سابق إصرار وترصد بحرمانه من حقوقه، وهو ما لا يتطابق مع رؤية السيد موسى الصدر، ولا مع وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في العلاقة ما بين الشيعة والدولة، التي عبر عنها السيد هاني فحص في كتابه «الإمامان الصدر وشمس الدين ذاكرة لغدنا»، أنهما «أخذا على عاتقهما وأنجزا مشروع رؤية للبنان وللموقع الشيعي فيه، وعملا جهدهما على تحويل هذا المشروع إلى مسار عملي وعلائقي يعيد ترتيب الوعي الإسلامي الشيعي بلبنان متحرراً من جروح في الذاكرة، قريباً من صورة المستقبل الممكن والمأمول، مشروطاً بوعي مواز لدى المكونات الأخرى، بحيث يلتقي الجميع على الاعتدال والوسطية والنسبية».
صلابة الثنائية حاضرة في أدائها وتصرفاتها، تؤهلها لمعركة استباقية تَطرح فيها شروطها على الداخل والخارج، قبل أن تُطرح عليها. في مرحلة صعود قصوى لن تتكرر، تتعامل الثنائية مع الوقائع اللبنانية، باعتبارها فرصتها الأخيرة لإضفاء شرعية كاملة على ما تملكه من أدوات قوة قد تفقد وظيفتها نتيجة لمتغيرات إقليمية ودولية، تمهد لتسويات كبرى مؤلمة، لذلك بدأت هي التمهيد لمعركة الحفاظ على مكاسبها، ولا يستبعد أن يكون فيها السلاح مقابل الدستور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان انقلاب على الصيغة والجمهورية لبنان انقلاب على الصيغة والجمهورية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon