توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران... والجغرافيا القلقة

  مصر اليوم -

إيران والجغرافيا القلقة

بقلم :مصطفى فحص

لم تنجح إيران على مدى 5 قرون في إيجاد مكان آمن لها في منطقة خضعت سابقاً لتحولات جيوعقائدية ارتبطت بصراعات إمبراطورية توسعية وشعوب حاربت دائماً من أجل انتزاع اعتراف بخصوصياتها الإثنية والروحية، ومع تراجع هذه الإمبراطوريات (القيصرية والعثمانية والبريطانية) واجهت إيران صعوبة في التأقلم مع تحولات جيوسياسية أعادت إنتاج القلق الحدودي الذي عاشه سكان الهضبة الإيرانية ودفعوا ثمنه حروباً وغزوات وهزائم منذ إنشاء الدولة السلطانية سنة 1501 على يد الشاه إسماعيل الأول الصفوي.
مبكراً في عام 1514، أغلقت الدولة العثمانية بجدارها (التركي العربي) طموح إيران بالتوسع شرقاً، وهزمتها في جالديران ثم في بلاد الرافدين عام 1534 وعام 1639، ثم خاضت أربع حروب مع روسيا القيصرية كان أقساها في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وانتهت باتفاقية غولستان في عام 1813 ومعاهدة تركمان شاي في 1828، التي تسببت في سلخ أجزاء مما يعتبرونه أراضيهم التاريخية في جنوب القوقاز وبعض من شماله.
في الوقت الذي استطاعت فيه تركيا استعادة دورها في آسيا الوسطى وجمهوريات ما وراء القوقاز، حيث أنشأت مبكراً البيت الثقافي التركي سنة 1986، وعملت على إعادة تكوين المشتركات القومية والدينية بينها وبين شعوب هذه المنطقة... في ذلك الوقت لم تنجح إيران مجدداً في استرجاع نفوذها، خصوصاً في الفضاء الإسلامي جنوب روسيا وواجهت مُعضلة قومية أساسها ارتباط هذه الدول بالعالم التركي وتراجع الهوية الدينية لصالح الهوية القومية في أذربيجان الشيعية، إضافة إلى رفض للنموذج الإيراني في الحكم، وقطع الطريق على مشاريع الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي.
بعد وصول الزعيم الأذربيجاني التاريخي حيدر علييف إلى سدة الرئاسة في باكو (1993 - 2003)، تمكن من وضع حد للتدخلات الخارجية في سياسة بلاده الداخلية بعد سنتين من اضطرابات كادت تتسبب في حرب أهلية، ونجح في القضاء على الحزب الإسلامي الأذربيجاني المدعوم من طهران، وقاد بلاده إلى توجهات غربية مستفيداً من تراجع الدور الروسي وصعود الدورين الأميركي والتركي الذي وجد في العامل القومي مدخلاً إلى ترسيخ علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع باكو، الأمر الذي دفع طهران إلى التحالف مع أرمينيا ودعمها عسكرياً في صراعها مع أذربيجان على إقليم ناغورنو قره باغ.
انحياز طهران لأرمينيا ضد أذربيجان شكّل عامل توتر رسمي وشعبي بين البلدين، ودفع باكو إلى إنشاء مجموعة تحالفات جيواستراتيجية واقتصادية بوجه طموحات إيران، ومع تحسن أوضاعها الاقتصادية بسبب ثرواتها النفطية تمكنت من تطوير ترسانتها العسكرية، خصوصاً من روسيا، حيث إن 40 في المائة من تحديث الجيش تعتمد على الصناعات الروسية وأصبحت في سنة 2017 ثالث زبون عسكري لإسرائيل، إضافة إلى تعاون مفتوح من تركيا التي دعمتها في معركة استعادة إقليم ناغورنو قره باغ سنة 2020.
أعادت اتفاقية إنهاء القتال في ناغورنو قره باغ إنتاج القلق الجيوسياسي الإيراني مع سيطرة باكو على الممرات الاقتصادية الإيرانية إلى أوروبا عبر أرمينيا، وفتح طريق عبر الأراضي الأرمينية بمحاذاة الحدود الإيرانية إلى إقليم ناقشيفان الأذري ومنه إلى تركيا، حيث أصبح لأول مرة منذ سقوط الدولة العثمانية هناك طريق مباشر بين أذربيجان وتركيا لا يمر في إيران ولا أرمينيا، ما دفع القيادة الإيرانية إلى التصعيد درءاً لتغيرات في الحدود الدولية تؤدي إلى مزيد من عزلها.
أزمة حدود إيران مع جيرانها دفعت إسلام آباد إلى الدخول على خط التصعيد والقيام بمناورة عسكرية مشتركة مع أنقرة وباكو، وذلك نتيجة تدخل طهران في ثلاثة ملفات تعتبرها باكستان خطراً على أمنها القومي؛ في مقدمتها أفغانستان واختراق طهران لأجنحة «طالبان»، أما الثاني يتمثل في تحديد مصير المقاتلين الشيعة العائدين من سوريا، والثالث هو علاقة طهران بحركة تحرير بلوشستان الانفصالية.
لكن القلق الأساسي في الأزمة الحالية بدأ مع انتصار باكو وصعود الهوية التركية الأذرية الشيعية، التي لها ارتدادات داخل إيران ومدى تأثيرها على وحدة الشعوب الإيرانية، إذ يعتبر الأذر العمود الفقري للدولة الإيرانية منذ خمسة قرون، ويلعبون دائماً دوراً مهماً في صعود أي نظام وسقوطه، وعليه فإن أي خطوة غير مدروسة تجاه أذربيجان ستكون لها انعكاسات داخلية ستزيد القلق من الجغرافيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والجغرافيا القلقة إيران والجغرافيا القلقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon