توقيت القاهرة المحلي 19:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان... الصيغة أقوى من الصواريخ

  مصر اليوم -

لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ

بقلم :مصطفى فحص

بعد مائة سنة على تأسيس دولة لبنان الكبير 1920، وثمانين سنة من الاستقلال على أساس الصيغة اللبنانية التي عرفت بميثاق 1943، وقامت على معادلة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والتفاهم على هوية لبنان اللاغربية تطميناً للمسلمين واللاعربية إرضاء للمسيحيين... تتعرض هذه الصيغة التأسيسية للكيان اللبناني مجدداً لمحاولة التفكيك أو الهيمنة، لكن المأزق الذي واجهته سابقاً وتواجهه حالياً جميع محاولات زعزعتها أو احتكارها المتعددة أنها تصطدم دائماً بصلابة فكرتها، حتى وهي تمر بأصعب مراحل انحلالها.
تعرضت الصيغة إلى انتهاكات اليمين واليسار، وهددت عندما أصبح اليمين مسيحياً واليسار مسلماً، فلجأ الأول من اعتبارات أبويته للنظام اللبناني إلى محاولات تفصيلها على مقاساته، أما الثاني فلجأ بصفته يمثل غطاء لشرعية الكيان إلى محاولات إعادة تفكيكها وتركيبها وفقاً لموازين القوة الداخلية والتأثيرات الخارجية، وكانت الحرب الأهلية ذروة الصدام بين التوجهين، اللذين تمثلا بالجبهة اللبنانية التي استخدمت العنف المفرط في معركة الدفاع عما اعتبرته مكاسب أمنتها لها الصيغة، والحركة الوطنية التي طالبت بتعديلها ورفعت شعار الكفاح المسلح من أجل إصلاح النظام السياسي الذي أنتجته صيغة 1943.
خاض الطرفان محاولة ابتلاع الصيغة والهيمنة على النظام اللبناني، واستخدما جميع إمكاناتهما السياسية والثقافية والعسكرية في معركة الاستقواء، لكنهما عادا مهزومين، حيث فشل كل طرف منهما في تحقيق الغلبة، بالرغم مما تلقياه من دعم خارجي، فلم يستطع الرئيس الراحل بشير الجميل فرض وصايته على الصيغة، وفي المقابل لم يتمكن الراحل كمال جنبلاط من فرض رؤيته عليها، كما أنها صمدت بوجه الانحياز الفلسطيني لليسار، ما أدى في النهاية إلى خروج ياسر عرفات من المعادلة اللبنانية ومن بعده سقوط اتفاق «17 أيار» وهزيمة الجيش الإسرائيلي.
عملياً أثبتت التجارب ما قبل 1990 (نهاية الحرب الأهلية) أن معادلة قوة لبنان في ضعفه لم تكن إلا نتيجة أن الصيغة اللبنانية التي رسمت بشكل مقبول إلى حد ما حدود الطوائف، وبلورة وظيفة الدولة صمدت بوجه جميع مشاريع الجماعات الطائفية العقائدية والمسلحة، حتى في زمن السلم واتفاق الطائف، أدركت الأطراف الداخلية والخارجية التي شاركت في صياغة وثيقة الوفاق الوطني، ومن أوكلت إليه مهمة تطبيقها الرئيس الراحل رفيق الحريري صعوبة تجاوز الصيغة، وبضرورة الالتزام بالمناصفة والميثاقية بعيداً عن التغيرات الديموغرافية وتأثير الجماعات الطائفية الصاعدة.
بعد أحداث 7 مايو (أيار) 2008 بدأ «حزب الله» مرحلة الهيمنة على الدولة وفرض هيبته على مؤسساتها، وأتاح له اتفاق مار مخايل مع الجنرال ميشال عون فرصة لتدجين الصيغة وإخضاعها لقوته، محاولاً استبدال ثنائية مار مخايل الاقصائية بثنائية الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح الميثاقية، معيداً ترتيب حدود الطوائف وترتيب وظائفها في إطار الدولة المتخيلة التي تمكن من هندسة سلطتها منذ فرضه انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية إلى أن أصيب بنكسة «17 تشرين».
عشية الانتفاضة كان النظام والكيان والصيغة يخضعون لإرادة «حزب الله» وفائض قوته، لكنه تلقى ضربة غير متوقعة من الشارع، فلجأ تدريجياً إلى التلويح بالقوة للحفاظ على نفوذه، إلا أن انفجار 4 أغسطس (آب) وتداعياته كسرت هيبته ووضعته أمام امتحان القوة، فإذا كان السلاح يؤمن الاستقواء لكنه لم يعد يوفر الحل، ففائض قوته بات مقيداً بسبب معضلتين؛ الأولى جغرافية وديموغرافية انفجار المرفأ، والثانية الطبيعة الطائفية للبنية القضائية اللبنانية، حيث عجز عن تحجيم تداعيات الانفجار سياسياً واحتواء أو تعطيل مسار التحقيق، وذلك بسبب حساسية موقع الانفجار.
وعليه، من كارثة المرفأ إلى فاجعة الطيونة، لم يدرك «حزب الله» بعد أن مشاريع الهيمنة في لبنان مستحيلة، وأن تركيبة الكيان وصيغته ودور طوائفه لا تسمح لأحد بالغلبة، وأن كل من أغرته قوته دفع ثمن مغامرته، خصوصاً أن من سبقوه فشلوا في اختباراتهم، فقد أثبتت هذه الصيغة متانتها، وفرضت على خصومها التأقلم مع بنيتها، وعلى متبنيها عدم محاصرتها، وأن تجاوزها شبه مستحيل، فهي في معادلة الاستقواء أقوى من الصواريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ لبنان الصيغة أقوى من الصواريخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon