توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسيحيو لبنان... بين قصرين

  مصر اليوم -

مسيحيو لبنان بين قصرين

بقلم: مصطفى فحص

بين الصَّرح البطريركي والقصر الجمهوري يستعيد مسيحيو لبنان مساحة حضورهم، وبين قصرين يعاودون قراءة ماضيهم وحاضرهم، ومستقبلهم المهدد بتداعيات انفجار شبه نووي، حطم جزءاً أساسياً من ذاكرتهم الثقافية الاجتماعية والسياسية، وهدَّمت شظاياه بيوتاً وأحياء شكلت جزءاً من ذاكرتهم الجماعية والوطنية. فلا يمكن الفصل بين أحياء الأشرفية ومارمخايل والجميزة والصيفي وساحة البرج، وتحول بيروت إلى مدينة حديثة في بداية القرن التاسع عشر على يد الجيش المصري، وجعل مرفئها أحد أشهر الموانئ على البحر المتوسط، وتأثيرهم في قرار المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو، باختيارها عاصمة لكيان بات مهدداً بالانقراض بعد مائة سنة على تشكله.
بين قصرين؛ واحد مدمّر يتحسر اللبنانيون عليه وعلى من قطنوه، وآخر هجروه بعد حسرتهم على بلد أضاعه قاطنوه، بين قصر سرسق الذي أوصى مالكه، وهو من أشهر العائلات الأرستقراطية المسيحية اللبنانية البيروتية، بتحويله إلى متحف، وقصر بعبدا حيث يقيم رئيس الجمهورية اللبنانية، ينحاز الوجدان المسيحي إلى الأول، ويرى في دماره انكساراً لصورة رُسمت عن وطن، ومدينة شاركوا في بناء هويتها المتعددة، وآخر يتهمونه بتزويرها.
بعد «فاجعة الرابع من أغسطس (آب)»، أعاد مسيحيو لبنان تذكير الجميع بالشروط التي حققت شكل الكيان اللبناني، لم يتردد رأس الكنيسة المارونية في تذكير بعض اللبنانيين الطامحين والطامعين في ملء فراغ ديموغرافي بأن دور الجماعات لا يرتبط بالعدد، وبأن القوة مهما تضخمت فلا يمكنها أن تتحكم في موقع لبنان وجغرافيته المعقدة، وبأن أي مغامرة جديدة تستند إلى حسابات الديموغرافيا والجغرافيا، لن تكون نتائجها أقل قسوة من التي أصابت من اعتقد سابقاً أنه يمتلك الوسائل لفرض خياراته عبر استدعاء الخارج. وفي هذا الصدد؛ يقول المؤرخ البريطاني المعاصر فيليب مانسيل في كتابه «ثلاث مدن مشرقية»: «باستخدام لغة عاطفية تخفي المصلحة الشخصية، حاولت كل طائفة دينية أن تغوي قوة أجنبية، وبحثت كل قوة أجنبية عن طلاب حماية محليين مناسبين، وقابلت التدخل الخارجي رغبة داخلية في مزيد من التدخل».
يُصرّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على دعوته إلى «حياد لبنان»، وقد أطلق الاثنين الماضي ما سماها «مذكرة الحياد الناشط» التي رفعها إلى الأمم المتحدة، وهي تطالب بتجنيب لبنان ويلات سياسة المحاور، ونزع سلاح جميع الميليشيات وفقاً لما جاء في «اتفاق الطائف»، وهو موقف سيُلقي بثقله على الغطاء المسيحي لسلاح «حزب الله» الذي أمّنه القاطن في قصر بعبدا.
لم يتردد الكاردينال الراعي في عظة يوم الأحد الماضي في وضع النقاط على الحروف، ووضع حد لكل المشاريع المشبوهة التي تُروج لـ«مُثالَثة» على حساب «المناصفة»، لما فيها من جور على جماعة وطنية مؤسسة، تعاني من هجرة جماعية لأبنائها وتتفاقم معاناتها من هول كارثة فرضت عليها أسئلة وجودية، فقد أبدت «بكركي» استياءها من محاولة باريس تمرير تسوية إقليمية مع طهران، تؤدي نتائجها إلى فرض ميثاق وطني جديد، أو مؤتمر تأسيسي على حساب المسيحيين.
فبين زائر غير موثوق وزائر حاول تسويق ما لا يمكن تقبله مسيحياً، خصوصاً أنه على حساب موقعهم، وزائر آخر تكلم بلغة الوصاية على الدولة، لكنه حصر حدود نفوذه بأركان السلطة، ولم يتجرأ على زيارة الأماكن المنكوبة تجنباً لإحراج قد يسببه رد فعل أهالي الضحايا والمتضررين، وفي غمرة التدخلات الخارجية المُسرّعة والمُتسرعة، أثارت دعوة أحد أركان السلطة رئيس حركة «أمل» والمجلس النيابي نبيه بري إلى إقامة الدولة المدنية، حفيظة اللبنانيين، فبالنسبة للكنيسة وانتفاضة «17 تشرين»، فإن مشروع بري في الدعوة إلى انتخابات نيابية في هذه المرحلة خارج القيد الطائفي، محاولة جديدة لفرض «المُثالَثة»، من خلال الأطر الدستورية في حال عجز فائض القوة عن فرضها، وهو التفاف على مطالب الانتفاضة وإعادة إنتاج الطبقة السياسية وفقاً لشروط «الثنائية» تحت ذريعة دولة مدنية متوهمة تتحكم فيها أحزاب طائفية.
منذ مائة عام ارتبطت فكرة لبنان بالوجود المسيحي ودورهم؛ الأمر الذي يضاعف مسؤوليتهم في حماية هذه الفكرة التي تترنح تحت ضغوط الداخل ومشاريع الخارج، فلبنان الكبير الذي قام على الموروث العثماني لا يمكن أن يستمر أو يحافظ على كيانه متماسكاً من دون موروثه المسيحي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسيحيو لبنان بين قصرين مسيحيو لبنان بين قصرين



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon