توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خريطة واحدة للبنانات كثيرة

  مصر اليوم -

خريطة واحدة للبنانات كثيرة

بقلم:مصطفى فحص

بين انقسامٍ سياسي وآخرَ اجتماعي وما بينهما من انقسام تاريخي، يتَّجه الاجتماعُ اللبناني إلى مزيد من الانقسام أو التقسيم، الذي تجاوز فكرة التقسيم الجغرافي الفاشلة سابقاً، وذهب دعاته الجدد إلى المطالبة بالفيدرالية أو الكونفدرالية، فيما دعا بعض الأصوات إلى الطلاق الكامل مع الآخر أو الآخرين، تحت ذريعة أن هناك انقساماً حياتياً وثقافياً بين اللبنانيين، فرض شروطه الثقيلة على فكرة عيشهم معاً، هذا العيش المشترك الذي تفجرت صمامات أمانه على شاطئ مدينة صيدا، حيث التبس على أهلها أو زوارها أو المصطافين فيها التفرقة ما بين الحرية الفردية التي يضمنها القانون اللبناني من حرية المعتقد واللباس والتعليم إلى آخره، وبين بعض الفئات الملتزمة التي تحاول فرض طريقة عيشها على طبيعة المدينة المحافظة أصلاً.

في صيدا كان الاشتباك بين التعميم العابر للحدود المناطقية والشروط الاجتماعية والعقائدية الذي يستند إلى مبدأ الحريات الثقافية في تبريره لمواقفه، والذي يرسم صورة مختلفة عن العيش المشترك بعيداً عن السائد، أي فكرة تعايش الجماعات الدينية اللبنانية الطائفية، فهو يرى أن المسموح به في أغلب شواطئ المدن اللبنانية يفترض أن يكون مسموحاً به على شاطئ صيدا، من دون الأخذ بعين الاعتبار أي ظروف تمر بها المدينة وطبيعة أهلها والتزاماتهم الثقافية، وكيفية مقاربتهم للتعامل مع البيئة المتشددة في المدينة.

هذا الانقسام كان فرصة لمطالبة البعض بالطلاق مع الآخر، هذا الآخر الذي لم يعد مفهوماً في تفسيرات التعايش اللبناني - اللبناني، فالتعايش مع الآخر المختلف كما يبدو أنه يأتي من طرف واحد، والاعتراف بلبنان الآخر أو اللبنانات الأخرى مطلوب أيضاً من الطرف الذي يرى فقط لبنان الأخضر وجمال شواطئه وجباله ومطاعمه وصخب حياته، فيما هناك لبنانات أخرى معترضة أو مختلفة في أسلوب الحياة ترى لبنانها على قياسها أيضاً.

أيضاً في لبنان المنقسم هناك جغرافياً السلاح. بيئة اجتماعية كاملة ترى به مصدر قوتها، تستعرضه أمام الجميع وعلى مرأى ومسمع الدولة وأجهزتها. سلاح رسم حدوداً للبنان الآخر المختلف معها أو غير المختلف. سلاح يفصلها عن بقية اللبنانيين ثقافياً واجتماعياً وعقائدياً، وحوّلته إلى جزء من عقيدتها الدينية والاجتماعية وحتى الدستورية، فالسلاح جعلها أرفع شأناً أمام بقية المواطنين وفوق القانون ومكّنها من فرض طبيعتها الاجتماعية والمعرفية ضمن المساحات الجغرافية لانتشارها، فباتوا أشبه بفيدرالية أقرب إلى حكم ذاتي في مناطقها، تملك قوة تكفيها للسيطرة على القرار المركزي في العاصمة.

في مقابل الفيدرالية العسكرية أو الفيدرالية المسلكية تبرز كونفدرالية تريد الانفصال عن الاثنين معاً، ولا تجد لدعاة العمومية اللبنانية من ليبراليين أو يساريين أو تشرينيين، العابرين للمناطق والطوائف مكاناً في كونفدراليتها. فدعاة هذا الصنف من التقسيم يبررون دعوتهم بأنهم يرفضون الخضوع السياسي والاقتصادي والثقافي لسلاح بيد فئة معينة مرتبطة بمشروع عقائدي خارجي لا يشبه لبنان الذي بنوه بالشراكة مع الآخر المختلف منذ أكثر من قرن، وباتو يرون في آخرين مختلفين مسلكياً واجتماعياً تهديداً لطبيعتهم الاجتماعية وطريقة عيشهم التي من المستحيل أن تتعايش مع دعاة الانغلاق تحت أي مبررات.

ولكن لا يبدو هنا أن الانغلاق محصور في المتشددين الملتزمين، فحتى الآخر الذي يرى أن أسلوب حياته هو هويته الخاصة أيضاً يغلق أمام الآخرين فرصة التعايش بمستوى الحد الأدنى معه. أما المدججون بالسلاح والشعارات العابرة للحدود فهم في طلاق حتى مع تاريخ لبنان الحديث.

جمهورية 10452 كيلومتراً مربعاً، وحّدها الفقر والقهر ورسمت «تشرين» مشهد عمومها وعامّيّتها في ساحات المدن اللبنانية من الشمال إلى الجنوب، يفرّقها الآن دعاة التحضر والالتزام والسلاح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خريطة واحدة للبنانات كثيرة خريطة واحدة للبنانات كثيرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon