توقيت القاهرة المحلي 15:06:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقتدى الصدر الحائر والمحير

  مصر اليوم -

مقتدى الصدر الحائر والمحير

بقلم: مصطفى فحص

يواجه زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر معضلة في المواءمة بين حركة احتجاجات شعبية تطالب بالسيادة الوطنية الكاملة وإصلاح شامل للعملية السياسية، وبين حرصه على الحفاظ على مكتسبات تياره السياسية والشعبية. ومع تمسك الانتفاضة بمطالبها، تتراجع فرص التيار في التماهي مع حركة إصلاحية بطبيعة ثورية ترفع شعارات القطيعة مع مرحلة ما بعد 2003.
تمكنت الانتفاضة من فرض شروطها على الطبقة السياسية التي فشلت في مهمتين؛ الأولى محاولة إخمادها، والثانية في أن تكون جزءاً منها، وقد أدَّت استدارة الصدر الأخيرة إلى قطيعة شبه كاملة مع «انتفاضة الأول من أكتوبر». وقد نجحت سريعاً في تعويض الزخم الشعبي بعد خروج جمهور الصدر من الساحات، وحولت قرار الانسحاب إلى أزمة داخل صفوف التيار، الذي يعاني صعوبة في تحديد خياراته بسبب خطوات ضبابية قام بها زعيمه في الفترة الأخيرة لا تنسجم مع الأدبيات التاريخية للحركة الصدرية وهويتها العقائدية، التي نشأت مع صعود نجم الراحل محمد باقر الصدر، وتبلورت كحالة شعبية جماهيرية على يد الراحل محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر.
يعدّ الصدر الثاني أحد أبرز الدعاة إلى تعريب المرجعية الدينية في النجف، فيما وريثه السياسي يكمل دراسته الحوزية في قُمّ على يد أستاذ عجمي، فالعلاقة ما بين الصدر والجمهور الشيعي تمرُّ بمرحلة من الارتياب منذ قراره رفع الغطاء عن الجنرال عبد الوهاب الساعدي، الذي يحظى بشرعية وطنية وشعبية تؤهله ليكون بديلاً للزعامات التقليدية الشيعية التي فشلت في مشروع بناء الدولة، كما أن موقفَ الصدر الملتبس من طرح اسم مدير المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة فتح التساؤلات حول استعجاله في حرق الترشيح لصالح جهات خارجية، أما الأزمة المعنوية في علاقته مع أبناء تياره فهي في عدم تقبلهم مشهد جلوسه في مجلس المرشد الإيراني، في شكل يتناقض كلياً مع أعراف المراجع الدينية في النجف، الذين يجلسون بشكل متساوٍ مع من يزورهم أكان رئيساً أو درويشاً.
من الصعب أنَّ تتلاءم قرارات الصدر في احتضان تيارات ولائية، كرَّست عملها لصالح المشروع الإيراني مع قواعده الشعبية في ذروة صعود الوطنية العراقية ونضوج مفهوم الدولة في الوعي الجماعي الشيعي العراقي، مما يدفع إلى التشكيك في قدرة الصدر على الاستمرار في هذه الخيارات، خصوصاً قيادته لما باتت تعرف بـ«المقاومة الدولية» التي أطلقت من إيران، والتي تحتاج لقوة الصدر في هذه المرحلة لمواجهة الضغوط الأميركية عليها من جهة؛ ومن جهة ثانية في ضرب حركة احتجاجات تشكل تهديداً غير مسبوق لهيمنتها على العراق، وهي تحاول من خلال الحضور الشعبي الذي يمتلكه الصدر أن تعوض غياب الحاضنة الشعبية لفصائلها المسلحة، إلا أن الخطورة أن يقع الصدر في المحظور، وتؤدي الوقيعة بينه وبين الانتفاضة إلى حجة تستخدمها الفصائل في تبرير مزيد من العنف ضد الاعتصامات من أجل إنهائها، بعدما انزلق الطرفان؛ الصدر والمحتجون، إلى التراشق بالاتهامات بعد الكلام الأخير لصالح محمد العراقي المقرب من الصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي وجه رسالة تهديد علنية للاحتجاجات قال فيها: «إن لم يعودوا؛ فسيكون لنا موقف آخر لمساندة القوات الأمنية البطلة، والتي لا بد لها من بسط الأمن لا للدفاع عن الفاسدين؛ بل من أجل مصالح الشعب ولأجل العراق وسلامته».
ولكن رغم حالة الانسداد في العلاقة بين الصدر وحركة الاحتجاجات، فإن الباحث في «المركز الفرنسي للبحوث العلمية» والخبير في الشؤون العراقية الدكتور هشام داود، يميل إلى التريث قبل الحكم نهائياً على الأزمة التي يمر بها «التيار الصدري»، ويرى أنه «لا قطيعة بعدُ تماماً بين الحركة الاحتجاجية العراقية والتيار الصدري. الاثنان يتقاسمان القاعدة المجتمعية ذاتها، ولكنهما يختلفان اليوم في المخارج السياسية، مهما كانت التركيبة الهرمية للحركة الصدرية، إلا أنها لا تستطيع القفز على الواقع الاجتماعي وتناقضاته، لذا لا يمكن منطقياً تحول التيار الصدري في فترة أسابيع من (الراعي الأبوي) للحركات الاحتجاجية في الفضاء الشيعي العراقي إلى نقيض إرثه السياسي هذا. لذا، نحن في مرحلة تدافع بين الاستقلالية العالية للحركة الاحتجاجية وتوجسها الشديد من الأحزاب من جهة؛ ورغبة التيار الصدري في لعب الدور القيادي في التغيير القادم، من جهة أخرى».
كانت شريحة كبيرة من العراقيين ترى في الصدر ليس فقط ممثلها السياسي والمجتمعي؛ بل وحتى الخلاصي. اليوم تخطت الاحتجاجات الشعبية صور الأشخاص وتأثيرهم، لذلك فإن الحالة الصدرية تمرُّ بأزمة تكاد تكون الأصعب والأكثر ألماً في تاريخها، وستؤثر حتماً على حجم موقعها في الحياة السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقتدى الصدر الحائر والمحير مقتدى الصدر الحائر والمحير



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon