توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان... ولادة متعثرة للمئوية الثانية

  مصر اليوم -

لبنان ولادة متعثرة للمئوية الثانية

بقلم: مصطفى فحص

فجر المئوية الثانية لولادة دولة لبنان الكبير، تمارس باريس دور الأمومة على الكيان، محاولة استرجاع دور «الأم الحنون» كما يصفها اللبنانيون، رافعة فزاعة الحرب الأهلية واحتمالية زوال لبنان، لكنَّ المفارقة أنَّها ساومت مع الطرف الذي يهدد اللبنانيين بحروب أهلية، ويساومهم بين ما تبقى من استقرار والعنف المسلح، وتساوم باريس معه على الربط والارتباط بين مصالحهما ولو على حساب لبنان الذي كان أو المُرتجى من بعد «17 تشرين».
لكن السؤال، هل هي خفة فرنسية في فهم ما يحدث، أم أنَّها انطباعات مستشرقين جدد في مواقع القرار، أتاحت لهم الكارثة فرصة لم تكن متوقعة، فقرروا على عجلة استغلالها، معتمدين على قراءة انتقائية للمسألة اللبنانية الجديدة، وإعادة تجميعها وفقاً لمفاهيم المسألة الشرقية وحلف الأقليات وإغراءات البوابة اللبنانية لانتزاع موطئ قدم في خريطة صراعات شرق المتوسط، وفقاً لموازين القوى الطائفية والإقليمية الجديدة؟
سوء التقدير الفرنسي في لبنان لا يختلف عن سوء التقدير الروسي في سوريا؛ فالأخيرة تحت حجة الحفاظ على مصالحها وحماية ما تصفه بالدولة السورية، قضت على طموحات الأغلبية للتغيير، ولمواجهة الأطماع التركية استعانت بالاحتلال الإيراني، وهذا ما تكرره باريس اليوم في لبنان. ففي ذروة اندفاعها بوجه تركيا من طرابلس الليبية إلى طرابلس اللبنانية، تفرض على أغلبية اللبنانيين الذين خرجوا في 17 أكتوبر (تشرين الأول) إلى الشارع وعلى مكون أساسي في صناعة الكيان تسوية بشروط إيرانية.
فجر المئوية الثانية، تفرض باريس ومن خلفها طهران على اللبنانيين حكومة انتداب جديد، حكومة انقلابية على الصيغة التاريخية التي أسست دولة الاستقلال سنة 1943، وعلى اتفاق الطائف سنة 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية، حكومة ترسخ مفهوم الغلبة المسلحة، وفرض هوية جديدة مستنسخة عن هويات سابقة دفع اللبنانيون أثماناً باهظة نتيجة صراعاتها الداخلية وارتباطاتها الخارجية.
في لعبة التكليف والتشكيل لم يتردد الطرفان (باريس وطهران) بالقفز فوق الثوابت التأسيسية للكيان اللبناني والمساومة على شكل جديد للنظام، وعلى تجاوز التحولات المجتمعية بعد تاريخ 17 أكتوبر و4 أغسطس (آب)، لكن معضلتهما كما يصفها الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي بأن القديم مات ولكن الجديد لم يولد بعد، وهما يكابران بعدم الاعتراف بأن «انتفاضة تشرين» شيّعت المئوية الأولى إلى مثواها الأخير، وبأنَّ انفجار المرفأ قضى على أحلام الولادة الثانية وفقاً لشروطهما. فحكومة الانتداب المزمع تشكيلها بعد تكليف الرديف مصطفى أديب، تتوج ذروة التنكر الفرنسي لفكرة لبنان، وتؤمن فرصة جديدة لطهران في استكمال انقلابها على الدولة والمجتمع ومواجهة تداعيات «17 تشرين» التي ترفض التسليم للإرادة الشيعية السياسية، التي كانت تتهيأ لوراثة المارونية السياسية والسنية السياسية.
في المسألة اللبنانية ليس بالضرورة إقصاء الجماعات الأخرى أو إخضاعها أن يمنح الأقوياء فرصتهم في إعادة تأسيس السلطة، فالتجربة ما بين 1920 و1943 أثبتت أن عوامل تشكيل الكيان تختلف عن إعلان الاستقلال وتشكيل السلطة، فالكنيسة والنخب المارونية لم يستطيعوا حينها تحقيق إنجازهم من دون الشراكة مع الجماعات الوطنية الأخرى، لذلك يُجمع المؤرخون على أنَّ صانع الاستقلال الحقيقي هو رئيس الوزراء رياض الصُلح الذي يصفه المؤرخ اللبناني أحمد بيضون في كتابه «رياض الصُلح في زمانه»، «سيكون رياض الصلح لذلك مؤسساً حقيقياً للبنان الحالي، بل هو الأكثر جدارة بهذه الصفة؛ لقد أوجد الجسر بين الهويات الثلاث بقدر ما أوجد الميثاق التأسيسي اللبناني».
وعليه، فإن ما غاب عن بال باريس وطهران أن تركيبة السلطة التي تحاولان إعادة تعويمها في لبنان تحتاج إلى ميثاقية تؤمن لها قليلاً من شرعية مفتعلة، فما أقر به الموارنة، خصوصاً ساستهم سنة 1943، لا يمكن أن تتجاوزه الشيعية السياسية مهما تضخم فائض قوتها في 2020، حيث لا يمكن اعتبار قبول رؤساء الوزراء الأربعة السابقين بالاسم الرديف لتشكيل حكومة الانتداب غطاء سنياً. فإذا نجحت الشيعية السياسية مرحلياً في استبعاد الاسم الذي تتطابق مواصفاته مع المعايير التي وضعتها الانتفاضة، فإنَّ نواف سلام الحاضر في حاضر اللبنانيين ومستقبلهم، والمقبول من أغلبيتهم، مهما تم استبعاده فقد بات أحد شروط الولادة الثانية، التي على ما يبدو كالأولى ستحتاج إلى مهندس يشرف على تركيب صيغتها الجديدة كما فعل رياض الصلح مع الصيغة القديمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ولادة متعثرة للمئوية الثانية لبنان ولادة متعثرة للمئوية الثانية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon