توقيت القاهرة المحلي 20:00:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

  مصر اليوم -

العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

بقلم : مصطفى فحص

جدل واسع أثاره الكشف عن استقبال السيد السيستاني مجموعة من جرحى الجيش العراقي، وما بين تاريخ زيارتهم وتوقيت الإعلان عنها، رسائل بالغة الدقة، وبأبعاد عدة، أرادت المرجعية الدينية النجفية توجيهها للداخل والخارج. فمن حيث الشكل؛ هي المرة الثانية في التاريخ التي يظهر فيها المرجع الديني الأعلى للشيعة في العالم السيد علي السيستاني في شريط مصور، بعد الظهور الأول والاستثنائي إبان حادثة تفجير مرقد الإمام الحسن العسكري في مدينة سامراء سنة 2006 إلى جانب المراجع الثلاثة الكبار (الحكيم والفياض والنجفي)، وذلك بهدف احتواء الفتنة المذهبية حينها التي أشعلها التفجير. أما من حيث المضمون؛ فإن التسجيل الثاني بعد أيام على خطاب يوم الجمعة الذي تزامن مع الذكرى الثانية للانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي، فهو ضربة موجعة تسددها المرجعية بوجه الطبقة السياسية والأحزاب الشيعية المسلحة التي تتحمل مسؤولية القمع الدموي الذي يجري بحق المتظاهرين السلميين منذ انطلاق انتفاضة 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهذا ما غمزت المرجعية من قناته بقولها: «إن ما تكرر خلال الأيام الماضية من حوادث الاغتيال والاختطاف يؤكد مرة أخرى أهمية أن يخضع السلاح ـ كل السلاح ـ لسلطة الدولة، وعدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي اسم أو عنوان. إن استقرار البلد والمحافظة على السلم الأهلي فيه رهن بتحقيق هذا الأمر». ولكن اللافت في التسجيل الثاني الذي جرى منذ أشهر عدة، وتم الكشف عنه بعد أيام من خطاب الجمعة أنه لم يتم فيه ذكر «الحشد الشعبي»، مع العلم بأن جزءاً كبيراً منه خُصِّص للتذكير بالتضحيات التي قدمها أبناء الشعب العراقي في الحرب على «داعش» وتحديداً القوات المسلحة الرسمية ،مع التركيز على دور الجيش فقط بشكل واضح وصريح.
ففي السنوات الأخيرة أصبح الجيش العراقي المؤسسة الرسمية الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني، الأمر الذي أدَّى إلى تعرضه لمخطط إضعاف وعزل وإلى تفريغه من قادته عبر الإقالات والتهميش، وذلك بعد استعادته جزءاً من عقيدته القتالية، التي من الطبيعي أن تصطدم مع مشاريع الهيمنة على القرار السيادي العراقي، كما أنَّ إصرار الشارع والمرجعية على أنه يمثل السلاح الشرعي الوحيد أدَّى إلى تفاقم علاقته مع سلطة الفصائل المسلحة، فقد عدَّت المرجعية في خطبتها أنه «لا بد من أن نعيدَ اليوم التأكيد على ما سبق ذكره من ضرورة أن يكون بناء الجيش وسائر القوات المسلحة العراقية وفق أسس مهنية رصينة، بحيث يكون ولاؤها للوطن، وتنهض بالدفاع عنه ضد أي عدوان خارجي، وتحمي نظامه السياسي المنبعث عن إرادة الشعب وفق الأطر الدستورية والقانونية».
فمما لا شك فيه أن انحياز المرجعية للجيش في هذه المرحلة، لا يعطيه الضوء الأخضر للقيام بانقلاب عسكري قد يتصوره البعض أنه مخرج لحالة الانسداد التي تعاني منها العملية السياسية، واستجابة لمطالب المتظاهرين الذين يتعرضون يومياً لعمليات القتل الممنهج على يد ميليشيات السلطة، ورغم ذلك؛ فإن حساسية النجف والنُخب العراقية الوطنية خصوصاً الشيعية لا تزال مسكونة بهواجس الخوف من الانقلابات وحكم العسكر، الذي جرّ الويلات على العراق وأسس لثقافة السحل والاغتيالات والسجون والإبادات الجماعية، إلا أنه مع استمرار حكومة الولائيين في تعنتها ورفضها القيام بأي خطوات إصلاحية، وإمعانها في قتل العراقيين وترهيبهم من أجل إجبارهم على التراجع، وعدم استجابة هذه السلطات لمطالب الشارع، وسقوط مزيد من الضحايا المدنيين، فإن التململ الموجود داخل الجيش سيخرج إلى العلن، وقد يؤدِّي إلى أن تعلن وحدات قتالية أساسية تمردها على قيادتها السياسية تحت ذريعة حماية المتظاهرين، ووقف حمام الدم الذي تصرُّ الطبقة السياسية على ارتكابه بغطاء خارجي.
ففي المواجهة المفتوحة ما بين السلطة والشعب، يراهن المتظاهرون العزل على تدخل قطاعات كبيرة من الجيش وبعض الفرق الخاصة، مثل جهاز مكافحة الإرهاب، في اللحظة المناسبة لحمايتهم من الميليشيات، خصوصاً أنَّ الجيش العراقي بعد انتصاره على «داعش» أصبح المؤسسة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني، ولم يزل الشارع يعدّ أنَّ الجنرال عبد الوهاب الساعدي هو أيقونة القوات المسلحة ورمز انتصاراتها، وأحد أبرز الأسماء المقبولة من قبله لتولي الحكومة الانتقالية، إضافة إلى اسم القائد السابق للجهاز الجنرال الأسدي، ومدير جهاز المخابرات العامة مصطفى الكاظمي، الذي بات يتردد اسمه إضافة إلى الجنرالين بصفتهم من الأسماء التي تنطبق عليها الشروط التي وضعتها انتفاضة أكتوبر.
وعليه؛ فإن إعادة هندسة الوطنية العراقية التي انطلقت في «1 أكتوبر» باتت تملك غطاءً روحياً وشعبياً ومؤسساتياً أمنته ثلاثية الخلاص العراقي؛ الجيش والشعب والمرجعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية العراق ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon