توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النجف بين «الخضراء» و«التحرير»

  مصر اليوم -

النجف بين «الخضراء» و«التحرير»

بقلم : مصطفى فحص

أعطتِ المرجعية الدينية الشيعية في النجف غطاءً مشروطاً لحركة الاحتجاجات الشعبية العراقية «انتفاضة الأول من أكتوبر»، بالمحافظة على سلميتها، واحترام القانون والمؤسسات، ودعوة نشطائها إلى حماية انتفاضتهم من اختراقات محلية وخارجية قد تستغلهم بهدف تصفية حسابات سياسية محلية، ومنع تحويلها إلى أداة تستخدم في نزاعات إقليمية، وذلك نتيجة حرصها على عدم مصادرتها من قبل قوى سياسية وعسكرية منظمة لها ارتباطات خارجية تعمل على استغلال هذه الانتفاضة من أجل إعادة فرض نفوذها عبر آليات حزبية ورسمية، مستفيدة من تغلغلها داخل مؤسسات الدولة، الأمر الذي أعطاها قدرة على تعطيل بدائل واقعية تخرج العراق من واقعه الحالي، فموقف المرجعية من المظاهرات تطور تدريجياً إلى أن وصل لمرحلة الانحياز لمطالب المعتصمين في ساحة التحرير، وبرز ذلك في مواقفها الأخيرة التي حملت توصيات رسمت من خلالها - أي المرجعية - خريطة طريق للخروج من الأزمة، توصيات طالبت المنظومة الحاكمة منذ 2003 بالاستجابة لمطالب الانتفاضة المشروعة بعد نجاحها في بلورة موقفها السياسي، الذي يمتلك شرعية شعبية باتت قادرة على فرض شروطها.
وفي هذا الصدد، ومن موقعه الأكاديمي، وبوصفه خبيراً في شؤون المرجعية، يقول الدكتور هشام داود، في تعليقه على كلام آية الله السيستاني الأخير، إن التقدير الاستراتيجي الأهم الذي نفهمه من خطاب المرجعية، أنها «تلمس اليوم استقلالية نسبية للحركات الاجتماعية، وتحررها من البنى الدينية - السياسية المهيمنة، وبالتالي لا سلطان كلي عليها، حتى من قبل المرجعية ذاتها. وعليه، السيد السيستاني أمام سؤال حاسم: ما العمل إذا كانت المظاهرات مستمرة من دونه، ولكنها يمكن أن تصبح حاسمة معه؟ يبدو أن المرجعية اختارت أن تتجه إلى المتظاهرين، وتدافع عن مطالبهم المشروعة شرط احترام القانون والمؤسسات». لذلك فإن موقف المرجعية المتقدم من الانتفاضة يمثل للمحتجين عامل مساعدة إضافياً في التسريع بتحقيق مطالبهم، خصوصاً أن انحيازها، ولو المشروط لهم في ساحة التحرير، يزيد من الفجوة ما بينها وبين المقيمين في المنطقة الخضراء؛ خصوصاً أن المرجعية في فهمها لديناميكية المتظاهرين، وربطها بتحولات اجتماعية وثقافية وسياسية، والحاجة لعملية إصلاح حقيقية وجدية تكون قد ردَّت على اتهامات بعض الأطراف التي تعتبر أن تبني المرجعية للعملية السياسية منذ 2003 أمَّن غطاءً شرعياً للطبقة السياسية، رغم توضيح المرجعية الدائم أن موقفها كان ولم يزل حتى الآن منع حدوث فراغ سياسي، والإصرار على التداول السلمي للسلطة، وهي الآن على قناعة تامة بمطالب الانتفاضة بتغيير الحكومة، وفي اعتماد قانون انتخابات جديد يحرر السلطة التشريعية من هيمنة السلاح وسطوة الأحزاب الدينية، وهذا يرتبط تلقائياً بضرورة تطهير الهيئات المستقلة للانتخابات من العناصر الحزبية، وبإشراف أممي لضمان نزاهتها.
في بداية الانتفاضة، ظهر موقف المرجعية، وكأنها تحاول كمش العصا من الوسط، ولكن سرعان ما تطور موقفها سياسياً واجتماعياً، وانتقل سريعاً من تفهم لمطالب المحتجين إلى تبنيها، وإلى إدانة العنف المفرط الذي استخدم ضدهم، وتحميل الحكومة مسؤولية سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، ولكن الجانب غير التقليدي في موقفها من حركة الاحتجاجات برز في قرارها المواءمة ما بين طبيعتها الكلاسيكية، التي تلتزم الحذر الشديد من الانخراط المباشر بالشأن العام، وبين ضرورة الحفاظ على دورها الرعوي، وذلك عندما قامت بخطوة متقدمة في دعم حركة الاحتجاجات السلمية، وذلك عندما سمحت المرجعية لطلاب الحوزة الدينية (العلوم الدينية) بالمشاركة في المسيرات الاحتجاجية التي خرجت في مدينة النجف؛ حيث شارك العديد من الأساتذة البارزين في بعض الاعتصامات التي جرت في ساحات المدينة، وكان لافتاً حضور رئيس مؤسسة «دار العلم» جواد الخوئي، وهو حفيد زعيم الحوزة العلمية الشيعية في العالم الراحل آية الله الخوئي، كما أنها لم تعترض على قرار توقيف الدروس الدينية في حوزاتها تزامناً مع دخول الجامعات العراقية على خط الإضرابات العامة، وقد كان الحدث الأبرز أن نجلي المرجع الأعلى آية الله السيستاني، محمد رضا ومحمد باقر، قد أوقفا التدريس في الحوزة، التزاماً منهما بقرار وقف التدريس، كما وجهت العتبتان الدينيان في كربلاء (الحسينية والعباسية) صفعة ميدانية لسلطة «المنطقة الخضراء» التي قامت بالدعوة إلى مظاهرات عارمة في مدينة كربلاء، بعد مظاهرات سقط فيها عدد كبير من الضحايا على يد القوى الأمنية وميليشيات السلطة، إضافة إلى أن إدارة العتبات الدينية في كربلاء والنجف ملتزمة تقديم آلاف الوجبات الغذائية للمعتصمين في ساحات المدن، خصوصاً في التحرير.
بين «الخضراء» و«التحرير»، من الطبيعي أن تنحاز النجف إلى طبيعتها المشروطية، أي إلى الانتفاضة، كونها ذات طبيعة اجتماعية عراقية، محركها الأساسي طبقة شيعية محرومة تواجه طبقة سياسية شيعية فاسدة مصابة بعطب ذاتي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النجف بين «الخضراء» و«التحرير» النجف بين «الخضراء» و«التحرير»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon