بقلم: مصطفى فحص
يمارس «حزب الله» بصفته الحزب الحاكم، حوكمة سياسية على السلطة بفرعيها (موالاة ومعارضة) ويضع شروطه عليها، فكونه اللاعب السياسي الأقوى، استطاع تحديد أحجام الفاعلين وأدوارهم في صفوف الموالاة من جهة، ومن جهة أخرى تمكن من وضع سقف لمستوى المعارضة. فهو لا يسمح باستقواء كامل لطرف على الآخر في الحكم، ولا يعطي من يرغب في إظهار معارضته فرصة لتبرئة ساحته من ارتكابات العقود الأخيرة. ففي خطابه الأخير بدا الأمين العام للحزب حسن نصر الله غير متقبل حتى لفكرة المعارضة أو الاعتراض وطالب من يريد ممارستها ضد حكومة يقودها مع حلفائه بالحياد، وقال في خطابه إن «المناخ الذي أثير في الأسبوعين الماضيين نتيجة حركة السفيرة الأميركية في البلد اعتبر البعض أن معركة إسقاط الحكومة بدأت، وما سمعناه من تصريحات لعدد من القيادات السياسية أنّ المناخ مغاير، أعتقد أنّ المناخ عند القوى السياسية لا يزال أنه يجب إعطاء الوقت للحكومة، إذا ثمة إمكانية للتعاون فبالحد الأدنى من الحياد».
رغم فرضها حكومة اللون الواحد على اللبنانيين، وعدم استجابتها للشروط التي وضعتها انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، ترفض سلطة العهد ممثلة (بـ«حزب الله» والتيار العوني) تحمل أعباء الأزمة المالية والاقتصادية لوحدها، وقد جاءت دعوة رئيس الجمهورية لقادة الكتل النيابية إلى لقاء وصفه بالوطني في بعبدا (القصر الجمهوري) من أجل عرض خطة الإصلاح المالي والاقتصادي بهدف تأمين مظلة «وطنية» لتغطية سياسات حكومة العهد الأولى، ونجح «حزب الله» في تأمين نصاب لقاء بعبدا المزمع انعقاده اليوم (الأربعاء)، بعدما أكد زعماء الكتل والأحزاب، خصوصاً تلك التي كانت تتصرف كمعارضة (حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي)، تلبية هذه الدعوة عبر ممثلين لهم، فالعهد في هذه المرحلة يحتاج إلى إظهار توافق عام يمنح حكومته مزيداً من الوقت بانتظار انفراجة إقليمية قد تساعده محلياً.
إلا أن هذا التوافق الهش الذي فرضه «حزب الله» على جميع الفرقاء لا يمكن أن يؤمّن حماية دائمة لحكومة مهددة بموجة ثانية من المظاهرات من المتوقع أن تكون أعنف، إضافة إلى تمرد سياسي جاء هذه المرة من جهة تيار المستقبل بزعامة الرئيس سعد الحريري الذي أعلنت كتلته مقاطعة لقاء بعبدا وصوّبت سياسياً لأول مرة على رئيس الجمهورية واتهمته بتخطي دستور الطائف ومحاولة فرض نظام رئاسي من جديد، ورأت الكتلة في بيانها أنه «لا فائدة من التشاور حول خطة الإصلاح بعد إقرارها والتقدم على أساسها بطلب مساعدة من صندوق النقد».
من الواضح أن «حزب الله» يبذل جهداً سياسياً ومعنوياً من أجل تعويم حكومة حسان دياب وتغطية خطته الاقتصادية، ويرفض حشرها بمهلة المائة يوم كمبرر للدعوة إلى إسقاطها، إلا أن هذه التغطية ستضعه مباشرة بوجه الانتفاضة المُصرة على عدم منح الحكومة الثقة والسلطة الفرصة، لكن الحزب الذي يعرف مخاطر الاشتباك مع الشارع يدرك جيداً أن هذه الحكومة أقصى ما يمكن أن يحققه سياسياً، وأنها قد تكون آخر حكومة للعهد، ومن بعدها سيخضع الجميع لشروط داخلية وخارجية من الممكن أن تؤدي إلى إعادة تركيب السلطة في لبنان.
ساعات قليلة تفصل بين لقاء بعبدا وجلسة البرلمان العراقي المخصصة لمنح حكومة مصطفى الكاظمي الثقة، وإذا نجح الكاظمي في تخطي عقد البرلمان سيكون العهد أمام تحدي التجربة العراقية، فالثابت عراقياً أن ما بعد حكومة عادل عبد المهدي ليس كما قبلها، سينطبق أيضاً على حكومة حسان دياب لبنانياً، ويدرك الجميع أن ما بعدها سيختلف كلياً عما قبلها، حيث تتصاعد المخاوف لدى المتمسكين بها من أنها قد تكون آخر حكومة تمثل المنظومة الحاكمة بشقّيها (موالاةً ومعارضة) وليس العهد فقط.
فليس مستبعداً أن تفشل هذه المنظومة في فرض شروطها من جديد كما فشلت الكتل العراقية في تعطيل تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة ثم رضخت للأمر الواقع نظراً للظروف الداخلية والخارجية التي قلّصت فرص مناورتها، ودفعتها إلى القبول بالكاظمي الذي جاء من خارج صندوقها السياسي تحت وطأة ضغوط اقتصادية وشعبية ودولية تتشابه بشكل كبير مع الأوضاع اللبنانية، حيث يظهر حرص «حزب الله» على وجود الأطراف كافة إلى جانب العهد حتى لا يكون وحيداً في مواجهة الداخل، خصوصاً انتفاضة 17 أكتوبر. أما خارجياً فيراوغ «حزب الله» من أجل تجنب شروط الخارج، خصوصاً تلك التي من المحتمل أن يضعها صندوق النقد الدولي مع المجتمع الدولي الذي فقد ثقته بالطبقة السياسية اللبنانية، ما قد يفتح الطريق أمام تكليف على غرار مصطفى الكاظمي في لبنان.