توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران تخسر حارسها

  مصر اليوم -

إيران تخسر حارسها

بقلم : مصطفى فحص

تاريخياً؛ لجأ الشاعر القومي الفارسي فردوسي (940 - 1020) في كتابه الشهير «الشاهنامه» إلى الاستعانة بالأساطير الشعبية في بناء الهوية الوطنية الإيرانية، فدَوَّن مآثر وبطولات أسطورية رواها سكان الهضبة الإيرانية، بعد انتقالهم إليها من موطنهم الأصلي في آسيا الوسطى وجبال القوقاز، حيث تغنى فردوسي ببطولات الفارس الأسطوري رستم ابن زال، الذي أفرد له صاحب كتاب «الأساطير الفارسية» الحسيني معدي جزءاً مستقلاً بعنوان: «رستم وملك الجن»، يقول فيه: «كان الفُرس يتغنون ببطولة رستم بطل الأبطال حتى لقد سموا قوس قزح بـ(قوس رستم)، وكانوا يبالغون في بطولاته حتى نسبوا إليه الخوارق، ولم يكتفوا بانتصاراته الرائعة على جيوش الإنس، بل نسبوا إليه حروباً أخرى ينتصر (فيها) على الجن والشياطين والسحرة أيضاً».
ولكن بين الخيال والواقع، يتسع القلق الإيراني الدائم في الدفاع عن الهوية والمكان، ويزداد عندما تصبح الهوية أوسع من مكانها، فتفرض على معتنقيها الذهاب خارج حدود مكانهم لنشرها، وغالباً ما تحولت إلى سد يحمي المكان الذي جاءت منه، فيرتبط بقاؤها بسلامته. وعلى أبواب المكان، وقف «رُستُمَان»: الأول أسطوري، والثاني حقيقي قُتل دفاعاً عن هوية إمبراطورية تجاوز عمرها 2500 عاماً، فقد سقط قائد جيوش الساسانية رستم فرخزاد في معركة القادسية، دفاعاً عن إمبراطورية كانت تمر بأسوأ مراحلها، وجرت المعركة في بلاد ما بين النهرين قرب مدينة الديوانية جنوب العراق، البلد الذي قتل فيه حارس الجمهورية الإيرانية وحامل عقيدتها إلى خارج حدودها الجنرال قاسم سليماني.
لا تختلف إيران الساسانية المضطربة حينها عن إيران الثورة الإسلامية المتصدّعة داخلياً الآن، والتي يمر فيها الداخل والخارج؛ العقيدة والمجتمع، بمرحلة عدم توازن أفرزت انقسامات عمودية بين أركان الحكم، وأفقية بين مكوناتها العرقية، مما يهدد وحدة المجتمعات الإيرانية وتماسكها الجغرافي.
عملياً؛ لا يمكن حصر تداعيات مقتل الجنرال قاسم سليماني في مشروع إيران الخارجي فقط، فمنذ أكثر من عقد أصبح الرجل الأسطوري بالنسبة لمُريديه مهندس النظام وحارسه، فالرجل الذي انتمى منذ نشأته إلى «الحرس الثوري» انتقلت معه هذه المنظمة من مهمة حماية النظام الثوري إلى قيادته، خصوصاً في مرحلة حساسة من تاريخ الجمهورية الإسلامية بدأ فيها الحديث علانية عن مرحلة ما بعد المرشد والرئيس، وكان من المفترض أن يلعب سليماني دوراً مركزياً في اختيار المرشد المقبل وهندسة انتخابه ومنحة شرعية ثورية وشعبية تمكّنه من القيام بدوره، خصوصاً أن أغلب المرشحين لهذا المنصب من جيل الثورة الثاني، لا يمتلكون شرعية ثورية تاريخية على غرار خامنئي أو الراحل رفسنجاني أو خاتمي. كما كانت الأنظار متجهة نحو سليماني لإخراج النظام من مأزق غياب وجوه تمتلك حضوراً شعبياً في معركة رئاسة الجمهورية، فالنظام العاجز عن إعادة إنتاج نفسه بعد 40 سنة على تأسيسه، أصبح أسيراً لعسكريتارية عقائدية تطمح للسيطرة مباشرة على منصب رئيس الجمهورية هذه المرة، وكان من المرجح أن يكون سليماني أو واحد من رفاق دربه أحد أبرز المرشحين لهذا المنصب.
مما لا شك فيه أن غياب الرجل الثاني في النظام، الذي امتلك صلاحيات استثنائية خوّلته صُنع القرار منفرداً وتنفيذه، سينتج فراغاً كبيراً في إدارة السلطة، وسيفتح الباب أمام صراع قاسٍ بين أركان النظام، ممَّا قد يمنح التيار المعتدل هامشاً إضافياً للمناورة، والتيار الإصلاحي الذي لا يزال يمتلك زخم الشارع، للعودة إلى الواجهة بقوة، مستفيداً من عمليات القمع الأخيرة التي كشفت عن حجم الهوة بين النظام والشعب، الذي عادة ما يلجأ إلى خيارات عقابية عبر صناديق الاقتراع ليعبر عن موقفه الرافض لخيارات الطبقة الحاكمة. ومن المرجح أن يكشف غياب سليماني عن حجم التباين بين العسكر والمدنيين داخل معسكر المحافظين، خصوصاً أن سليماني و«الحرس» قاما منذ مدة بتحجيم كثير من مراكز القوة، وأبرز مثال على ذلك لاريجاني، ووضع حد لطموحات بعض الجنرالات ضمن معركة تصفية حسابات داخلية، وبغيابه سيحاول كثير من هذه الأطراف استعادة دوره أو تعزيز نفوذه، ولكن أغلب الظنون أن الطبقة الحاكمة ستفشل في العثور على ضابط إيقاع يضبط مستوى صراعاتها، وهذا ما سيزيد الأعباء على المجموعة المعروفة بـ«بيت المرشد»، التي باتت تتحمل مسؤولية تنظيم العلاقة بين الأطراف المتنافسة، إلا أنها قد تتعرض للانتقادات بسبب ما يشاع عن طموحات الرجل الأقوى نفوذاً في إيران الآن بعد مقتل سليماني؛ السيد مجتبى خامنئي ابن المرشد وأمين أسراره.
وعليه؛ من رستم فرخزاد إلى قاسم سليماني شاءت الأقدار أن تخسر إيران القلقة على أرض الرافدين حراسها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران تخسر حارسها إيران تخسر حارسها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon