توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت

  مصر اليوم -

التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت

بقلم: مصطفى فحص

لم يقتنع أهل السلطة في لبنان، وحتى جمهورهم، بأن جائحة «كورونا» وما سبقها وما تلاها من انكماش في الاقتصاد العالمي، وتراجع في مستوى الطلب على الطاقة، أدى إلى فرض نوع من الأنانية الوطنية لدى معظم الدول والمجتمعات، حتى الثرّية منها، التي تضررت أيضاً مما خلفته الجائحة. لم تدرك السلطة المثل الشعبي القائل «إن الزيت إذا احتاجه البَيت يِحرَم على الجامع» إلى أن سمعت ما يشبهه، ولكن بطريقة دبلوماسية من دولة الكويت التي قدمت تاريخياً كثيراً من المساعدات إلى لبنان مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
فعشية وصول المُوفَد اللبناني إلى العاصمة الكويتية حاملاً معه رسالة تمنيات رسمية لبنانية على القيادة الكويتية بمساندة لبنان في أزمته المعيشية، كان الجدل الداخلي الكويتي منشغلاً بكيفية تغطية عجز ميزانية الدولة العامة عن طريق الاقتراض الخارجي أو الداخلي عبر صندوق الأصول السيادية، وقد ذكرت وسائل إعلام محلية أن الكويت تحتاج إلى ما يقارب 60 مليار دولار لفك العجز في الميزانية. بمعنى آخر فهم الوفد اللبناني أن زيت الكويت للكويت، وأنه لا يمكن أن يُحَمّل الإمارة عبء أزمته.
الوفد اللبناني الذي عاد بخُفي حنيّن إلا من بعض الوعود، التي يبدو أنها ستنفذ عبر صندوق التنمية الكويتي فقط، يواجه أسئلة داخلية صعبة نتيجة صدمة اللبنانيين الذين راهنوا على هذه الزيارة بعد الكم الهائل من الضخ الإعلامي الممنهج الذي قامت به السلطة، ولوحت بانفراجات في الأزمة ستبدأ من الكويت وتنتقل وتنتقل إلى بغداد وعواصم عربية أخرى أبدت استعدادها لمساعدة لبنان من دون شروط مسبقة.
يُروّج الطرف اللبناني بأن هناك إمكانية كبيرة لمبادلة النفط مقابل المنتوجات اللبنانية، خصوصاً الزراعية، وبأن العراق مستعد لبيع النفط بالعملة اللبنانية أو بأسعار منخفضة جداً، وأنه سيقبل مقايضة النفط بالبضائع اللبنانية، الأمر الذي أثار الرأي العام العراقي، ورأى في هذه المبادلة محاولة احتيال جديدة لسرقة ثرواته الوطنية، في الوقت الذي تواجه الميزانية أزمة في السيولة وعدم قدرة على تأمين رواتب القطاع العام. كما أن العراق لديه فائض زراعي ويحتاج إلى تصديره، وقد صرّح وزير الزراعة بأن شركة عراقية واحدة لديها فائض 500 طن لكل صنف من البطاطا والطماطم والباذنجان، وقد أقدم بعض المزارعين على إتلاف محاصيلهم بعد عجز الدولة عن تصريفها في الأسواق الخارجية.
لا تعي المنظومة الحاكمة حجم تراجع الحضور اللبناني الرسمي، وأن الدولة باتت مصنفة، وبأن «الفهلوة اللبنانية» لم تعد تنطلي على أحد، فالسلطة التي تتعامل مع الأزمة كأنها معيشية، وتطالب مواطنيها بممارسة الجهاد الزراعي، لا تُقيم اعتباراً لمصالحهم ومستقبلهم، والمفارقة أنها تطالب الخارج بالاكتراث لمصيرها بعدما قطعت أوصال التفاهم مع أشقائه التاريخيين واستَعدَتهم نتيجة قرارها عدم النأي بالنفس عن صراعات المنطقة.
تحتاج المنظومة الحاكمة إلى مراجعة خطابها الخارجي، خصوصاً العربي، وذلك من أجل إصلاح التصدعات في علاقاتها العربية نتيجة انحيازاتها وخطابها السياسي والعقائدي، الأمر الذي تسبب في خسارة لبنان فرصة الدبلوماسية الموازية التي كانت امتيازاً لبنانياً أمّن مخارج للكثير من الأزمات، وبات أي مُوفد لبناني مهما كان حضوره وقوته في الدولة، يمثل هذا الانحياز الذي تمارسه السلطة الحاكمة ضد الأشقاء العرب.
وعليه فإن دول الخليج العربي ليست جمعيات خيرية يمكن استرضاؤها، كما أن المراهنة على تبايناتها ليست في مصلحة لبنان، هذه الدول بالرغم من خروج بعضها عن الإجماع الخليجي لكنها محكومة إلى حد ما بانتماءات اجتماعية وروحية تفرض نفسها على سياسة دولها، حيث من الملاحظ منذ سنوات تراجع الحاضنة الشعبية الخليجية للبنان نتيجة أخطاء ارتكبتها السلطة اللبنانية.
فمنذ انتهاء الحرب الأهلية اعتادت دول الخليج العربي على شخصية سياسية لبنانية تفهم خصوصياتها، ولها حضورها المؤثر عربياً وإسلامياً ودولياً، نجحت تاريخياً في إقناعهم بالمساعدة على تجاوز لبنان أغلب الأزمات التي مرت عليه. فمن مؤتمرات باريس المتعددة إلى مؤتمر سيدر كان لرفيق الحريري وورثته دالتهم على الخليجيين، ومما لا شك فيه أن غيابه أثر على ثقتهم بلبنان، فكيف يمكن أن تطلب المنظومة الحاكمة مساعدتهم عشية نطق المحكمة الدولية بجريمة اغتياله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت التيه اللبناني من بغداد إلى الكويت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon