بقلم : مصطفى فحص
بعد جدل داخل البيت الأبيض بين صقور الإدارة (مايك بومبيو وجون بولتون) حول إدراج وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على قائمة العقوبات الأميركية؛ حيث نقلت وكالة «رويترز» في تقرير لها نشرته في 12 يوليو (تموز) الماضي عن مصدرين أميركيين أن واشنطن قررت عدم إدراج الوزير ظريف في هذه المرحلة على قائمة العقوبات، بهدف الإبقاء على القنوات الدبلوماسية المباشرة وغير المباشرة مع إيران، وفقاً لرغبة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي عدّ أن هذا القرار ليس مفيداً في هذه المرحلة... عادت إدارة البيت الأبيض واتخذت قرارها في 31 من الشهر نفسه ووضعت وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف على قائمة العقوبات الأميركية.
وعدّ مسؤول في الإدارة الأميركية أن مكتب هذا الدبلوماسي الإيراني «يعمل ملحقاً» لمكتب المرشد علي خامنئي بوصفه جهازه الدعائي «للدفاع عن اضطهاد النظام للشعب الإيراني وقمعه حرية التعبير».
عملياً يمكن تفسير كلام المسؤول الأميركي بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب قررت إغلاق النوافذ التي كان النظام الإيراني يستخدمها للوصول إلى الداخل الأميركي وختمها بشمع العقوبات الأحمر، وأوقفت استغلال وسائل الإعلام الأميركية ومراكز الدراسات والتعاون مع مجموعات الضغط السياسي، للتأثير على صناع الرأي العام الأميركي للتحريض على إدارة ترمب في قضية الاتفاق النووي الإيراني.
يذكر أن هذه الجماعات كانت أول من رفع الصوت اعتراضاً على معاقبة ظريف؛ خصوصاً تلك التي تنشط على أنها جماعات ضغط إيرانية غير رسمية في الولايات المتحدة وتربطها علاقة متينة بجواد ظريف الذي عاش ثلث حياته في الولايات المتحدة. وقد نشر موقع «العربية نت» تقريراً عن الحضور الفعّال لظريف وتأثيره داخل المؤسسات السياسية الأميركية، خصوصاً عندما كان في نيويورك ممثلاً لبلاده لدى الأمم المتحدة من عام 2002 إلى 2007، وكشفت «العربية نت» عن أنه ساهم بشكل أساسي في تأسيس أكبر لوبي إيراني في الولايات المتحدة، وهو «المجلس القومي للإيرانيين في أميركا»، والذي يعرف بـ«ناياك (NIAC)» والذي كان يتزعمه تريتا بارسي وحالياً جمال عبدي، وتوسعت علاقات هذا المجلس داخل أميركا من خلال علاقات ظريف ببعض نواب الكونغرس والمجاميع السياسية وغرف الفكر ومراكز صنع القرار في أميركا.
بعيداً عن الجدل الذي أثاره تقرير صحيفة «نيويوركر» الأميركية بأن ظريف تلقى دعوة لزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس ترمب منتصف شهر يوليو الماضي، قدمها له السيناتور الجمهوري راند بول ورفضها ظريف مبرراً ذلك بأنه يحتاج إلى موافقة طهران؛ الأمر الذي أثار حفيظة بعض أعضاء إدارة البيت الأبيض وشخصيات مؤثرة في الكونغرس والحزب الجمهوري؛ وفي مقدمتهم السيناتور ليندسي غراهم الذي علّق في تغريدة له على حسابه في «تويتر» بأنه «إذا كان هذا صحيحاً - توجيه دعوة إلى وزير الخارجية الإيراني للاجتماع في المكتب البيضاوي - بغض النظر عن مدى حسن النية؛ فمن شأن ذلك أن يقوّض موقفنا القوي ضد إيران بشكل كبير»... فمن الواضح أن تياراً داخل الإدارة الأميركية يرفض التعاطي ببراغماتية مع إيران، وهو من خلال قراره إقصاء ظريف عن دوره التفاوضي مع واشنطن يقطع الطريق على نظام طهران الذي استخدم وزير خارجيته من أجل تحقيق مآربه عبر وجه مقبول دولياً عمل وسيطاً بين النظام والمجتمع الدولي الذي سقط في فخ التعاون مع ظريف تحت مسوّغ دعم أتباع «طبيعة الدولة» في وجه أتباع «طبيعة الثورة».
فعلياً ستفرض الخطوة الأميركية على صناع القرار الفعليين في طهران الخروج من خلف الستارة وخوض مفاوضات مباشرة من دون وسيط، وهذا سيجبر وزراء خارجية غير معلنين على الجلوس مع ممثلين عن الإدارة الأميركية؛ وفي مقدمتهم علي ولايتي وزير خارجية المرشد، والجنرال قاسم سليماني وزير خارجية «الحرس الثوري»، وهما في موقع يصعب عليهما تقديم تنازلات منه أو التعامل بمرونة مع أي تسوية تستدعي القيام بخطوات تراجعية. كما أن استبعاده من المفاوضات يمثل خسارة الفريق الإيراني المفاوض أوراق القوة التي كان يمتلكها ظريف في الولايات المتحدة عبر علاقته المتينة بمراكز الضغط السياسي، المضطرة للتعامل بحذر مع الجهات الإيرانية التي ستتولى المفاوضات مع واشنطن التي نجحت في احتواء التلاعب الإيراني داخل أميركا، فقرار واشنطن الانتقال إلى التعامل مع الطبيعة الأساسية للنظام ينقل جزءاً من الأزمة إلى داخله ويفرض على التيار العقائدي الذي يستمد شرعيته الثورية من رفع شعار العداء للولايات المتحدة، خلع قفازاته الثورية، والتخلي عن كثير من ثوابته، مما قد يتسبب له في إحراج أمام قواعده الراديكالية التي ستحمّله مسؤولية خياراته الدبلوماسية ونتائجها.
ظريف الذي وصفته واشنطن بـ«المدافع المأجور» انتهى دوره الوسيط؛ أم إنها نهاية مرحلة الوسطاء جميعاً والانتقال إلى الدبلوماسية المباشرة، أو الفعل المباشر؟