توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق ما بعد الأول من أكتوبر

  مصر اليوم -

العراق ما بعد الأول من أكتوبر

بقلم : مصطفى فحص

لم يعد ممكناً للنظام العراقي إعادة ترميم علاقته مع العراقيين عموماً؛ والشيعة بشكل خاص، فما بعد أحداث مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لن يكون كما قبلها، بعدما خسر نظام المكونات الطائفية الشرعية في الشارع واختار أن ينتزعها بقوة السلاح، لكن الشارع الذي تراجع مؤقتاً لالتقاط أنفاسه بعد أسبوع من القتل والقمع والاعتقالات، لا يبدو أنه رضخ للقوة، مما يرجح عودة المواجهات في أي لحظة، لكن هذه المرة قد تكون بإصرار أوسع من قِبل المتظاهرين وشراسة أكبر من قبل النظام، الذي لم يعد يملك وسيلة أخرى للدفاع عن مصالحه واستمراره إلا استخدام القوة التي قد لا تسعفه لمدة طويلة، خصوصاً أنه خرج من المواجهة منقسماً بين جناحين؛ أحدهما يمثل ما تبقى من الدولة ومؤسساتها الشرعية ويبحث عن إمكانية الوصول إلى تسوية ظهرت مخرجاتها في خطاب رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، الذي توجه بخطابه إلى جميع العراقيين قائلاً: «يجب أن نتصارح جميعاً؛ مسؤولين وأحزاباً وموظفين وناشطين ومثقفين ومواطنين، بأن هذا الحراك... هذه الاحتجاجات؛ جاءت على خلفية البؤس والمظالم والشعور العام بحاجة البلد إلى الإصلاح».
خطاب صالح الذي تبنَّى فيه ما جاء في خطاب المرجعية الدينية، ربط شرعية النظام السياسي بتحقيق مطالب المظاهرات، وهو ما يمكن وضعه في إطار محاولات احتواء الأزمة من خلال الدعوة إلى القيام بعملية إصلاح شاملة، لكنها غير ممكنة في ظل تركيبة سياسية معقدة، وقوى مسلحة تهيمن على القرار الفعلي للدولة ولن تتراجع عن فرض مشروعها، وتتمثل في جماعات ما دون الدولة، وتمكنت من فرض خياراتها على الجميع، وخاطبت العراقيين بلغة المنتصر الذي سيكتب تاريخ العراق ما بعد «أكتوبر (تشرين الأول)».
فقد رسم رئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض ملامح المرحلة المقبلة للعراق عندما عدّ أن ما قام به «الحشد» هو دفاع عن الدولة، بقوله: «نحن ندافع عن دستور وعن دولة بنيناها بالدماء والتضحيات». الفياض الذي أكد جهوزية «الحشد الشعبي» للقضاء على الانقلابيين والمتآمرين، حسم موقع ودور «الحشد» في العملية السياسية التي باتت بأكملها تحت سطوته.
عملياً، كشف الحجم الكبير للضحايا منهجية جديدة في تعاطي النظام مع من يتجرأ على معارضته، ولجوؤه إلى استخدام العنف المفرط، ليس فقط من أجل القضاء سريعاً على انتفاضة الشعب العراقي في وجه نظام 2003؛ بل بهدف إعادة ترتيب الأدوار داخل العملية السياسية وحسم المواقف الداخلية والتحالفات الخارجية، لذلك فإن اللجوء إلى تطبيق النموذج السوري ضد المتظاهرين وشيطنتهم واتهامهم بالعمالة للخارج أمر خطير.
هل نجح مخطط القمع في منع المتظاهرين من احتلال الساحات الكبرى، خصوصاً «ساحة التحرير» وسط بغداد لرمزيتها، حتى لا يتمكن الحراك من بلورة مواقفه السياسية والمطلبية وتحويل ساحة الاعتصام إلى منصة تفرض شروطها على النظام. لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن أن الطرف الأقوى قضى على مساعي تحييد العراق عن صراعات المنطقة، وربط مستقبل العراق بالمصالح الإيرانية التي باتت تهدد وحدة المجتمع العراقي وعلاقته بنظامه، خصوصاً أن حركة الاحتجاجات تبنت مطالب سياسية تهدد تركيبة النظام الحالي، من خلال المطالبة بنظام انتخابي جديد يُلغي هيمنة أحزاب السلطة التي فشلت في بناء الدولة وغرقت في الفساد والمحاصصة، إضافة إلى أخرى سيادية كانت أشبه بالدعوة إلى انتزاع استقلال العراق من الانتداب الإيراني... وهذه أول مواجهة مباشرة بين النفوذ الإيراني وأدواته العراقية، وبين مظاهرات خرجت في المناطق والمدن ذات الأغلبية الشيعية منذ 16 سنة؛ مظاهرات عرّت السلطة الحاكمة أمام بيئتها الاجتماعية التي تطالب علناً برحيلها، وتطالب بفصل المسار العراقي عن الإيراني؛ الأمر الذي يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين طهران والأغلبية الشيعية العراقية، التي تحركت للحفاظ على هويتها الوطنية في وجه مشروع استتباعي يعمل على إلغاء خصوصيتها العقائدية والثقافية.
بعد 16 عاماً على سقوط «جمهورية البعث»، التي وصفها كنعان مكية بـ«جمهورية الخوف»، عاد الخوف الجماعي إلى العراق، ولكن هذه المرة بات خوفاً على «الجمهورية» أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق ما بعد الأول من أكتوبر العراق ما بعد الأول من أكتوبر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon