توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق... إكرام الميت دفنه

  مصر اليوم -

العراق إكرام الميت دفنه

بقلم: مصطفى فحص

وفقاً للتقاليد الدينية والاجتماعية، تميل المجتمعات العربية والإسلامية عند حدوث الوفاة إلى مقولة «إكرام الميت دفنه». لكن حجم الكارثة العراقية أن خلافاً بين أهل الفقيد على هوية من سيوكل إليه القيام بمراسم الدفن يؤخره، فالبيت لما فيه من ارتكابات ومعاصٍ يحتاج إلى من يستره، والثابت أن سترة البيت السياسي الشيعي العراقي لم تعد على عاتق قاطنيه، فهم ليسوا سوى «وكلاء تفليسة» لنظام بات خارج الحياة، والمصيبة أن خيارات سكان البيت محدودة وضيّقة، وأمامهم خياران فقط، والمفارقة أن أحلاهما مرّ، فالمرشحان نشآ وترعرعا بعيداً عن أعينهم، ولم يظهرا التزاماً كاملاً بالثوابت، وفي أصول التعامل والتراتبية والولاءات داخل البيت. إلا أن صراع الورثاء، وعجز أصحاب الوصاية، أجبر جميع اللاعبين على البحث عن الأقل مرارة بين اثنين لا ثالث لهما.
عشية الذكرى السابعة عشرة لإنشائه، ينعَى نظام 2003 نفسه سياسياً، بعد فشل البيت السياسي الشيعي في إعادة إنتاج نفسه، وتجاوز أزمة استقالة آخر وجوه حرسه القديم عادل عبد المهدي، واستحالة ملء الفراغ الذي يسببه غياب رب البيت وناظره الجنرال قاسم سليماني، الذي رسم لوحده على مدى 17 عاماً لوحة سياسية عراقية بألوان إيرانية، ومن بعده تعدد الرسامون، لكنهم حتى الآن فشلوا في اختيار الألوان، ودمجها، وانكشفوا أنهم هواة، مقارنة بمحترف يحاولون وراثته والحفاظ على إرثه.
لا شك أن طهران التي أوفدت مبعوثيْها، وعادا بخفي حنين، قد سلمت أمرها وأقرت بأن الإنكار لم يعد لمصلحتها، فلا وجوه البيت الشيعي تصلح لإدارة المرحلة، ولا في جعبتها من يمكن تعويمه، أو الثقة به، وتستطيع أن تأمن جانبه، فهي تتعامل مع واقع فاشل صنعته بيديها، لذلك اتخذت قراراً بالتراجع مضطرة عن خطوطها الحمراء تجنباً لما هو أسوأ.
أما واشنطن، وبالرغم من انشغالها في مكافحة وباء «كورونا»، لم تزل تملك زمام المبادرة، ولم تغب عيونها عن العراق، وهي تثير قلق طهران وأتباعها، خصوصاً الميليشيات المسلحة التي تعمل ضمن إطار ما يسمى «المقاومة الإسلامية»، وتتبنى تحت أسماء وهمية الهجمات المتكررة على قواعد أميركية، لكن هذه الهجمات دفعت واشنطن إلى القيام بإعادة تموضع لجنودها المنتشرين في العراق، وتقليص عدد قواعدها، الأمر الذي يوفر حماية أكبر لما تبقى من قواعد، الأمر الذي سيساعدها على تحديد هوية الجهة المهاجمة، فإعادة التموضع هذه لا يمكن فصلها عما يشاع من تحذيرات أميركية لإيران من عدم القيام بمغامرة غير محسوبة من قبل فصائل غير منضبطة، ما سيؤدي إلى تداعيات استراتيجية داخل العراق وخارجه، خصوصاً أن واشنطن قد تخلت عن كافة الضمانات بعد اغتيالها الجنرال سليماني.
بين اعتذار محمد توفيق علاوي، وتكليف عدنان الزرفي، حضر شامخاني ولحقه قاآني، في زيارتهما لم ينجحا في ترميم تصدعات البيت الشيعي؛ فالأول بوصفه وكيلاً مؤقتاً لم ينجح في مهمة تحديد المخاطر، والثاني بوصفه وريثاً أصيلاً فشل في تجاوزها، فأقرّت طهران بعجزها وفشلها، ولحفظ ماء الوجه، أعطت لنفسها أحقية التفضيل بين الزرفي والكاظمي، ولكن غاب عن بالها أن الاثنين خارج سياقاتها، وينتميان إلى جيل تشكل خارج أطرها السياسية والعقائدية، وبأنهما برزا سياسياً في عهد خصمها الجدي رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وهما يكملان المنهجية السياسية وتوازناتها المحلية والإقليمية والدولية التي مارسها أثناء ولايته.
عملياً لم يعد لطهران ما تعطيه لأتباعها، وهي عاجزة عن تقديم الدعم السياسي والاقتصادي، لذلك تزايدت أعداد القافزين من فوق أسوار بيتها السياسي، فارين يبحثون عن مصالحهم الخاصة مع المرشحين، فالفتور بينها وبين بعض القوى السياسية الشيعية يزداد، والشرخ الداخلي بين هذه القوى وصل إلى مرحلة التصادم، فالفصائل التي اتهمت رئيس جهاز المخابرات بالضلوع في اغتيال الجنرال سليماني باتت تؤيده، فيما الفصائل التي دعت إلى تشكيل مقاومة دولية لإجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق، لم تتراجع حتى الآن عن دعمها للزرفي الذي تتهمه فصائل شيعية مسلحة بالعمالة لواشنطن.
بينما يسير نظام 2003 إلى مثواه الأخير، فإن عراقاً جديداً يتشكل، بصرف النظر ما إذا نجح الزرفي في انتزاع الثقة تحت قبة البرلمان، أو استطاع الكاظمي أن يكون حلاً لمعضلة الجميع، لكن في النهاية فإن واحداً منهما سيكلف قراءة إعلان الوفاة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق إكرام الميت دفنه العراق إكرام الميت دفنه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon