توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هشام الهاشمي وجمهورية الخوف

  مصر اليوم -

هشام الهاشمي وجمهورية الخوف

بقلم: مصطفى فحص

من بيروت إلى بغداد، اتسعت وحشة الطرقات، وعلى جانبيها قمصان سوداء وحواجز ملثمين وأقنعة قناصين، ويزداد قلقي كلما حاولت التدقيق في ملامح ضحاياهم، ويعتريني الخوف كلما طمرت هوية القاتل وعلقت صورة المقتول. بالأمس رفع العراقيون صورة هشام الهاشمي مقتولاً، وأعلنوا التحاقه بصفاء السراي ورفاقه الـ600 الذين سقطوا برصاص القناصين، ولكن هل يدرك القناص أو القاتل المُلثم الفرق بينه وبين ضحيته، بين من يخفي وجهه ليغطي فعلته ومن يشهر وجهه ويقول كلمته؟!
في الأمس، وجّه القاتل رصاصه إلى جسد هشام، لكن المُستَهدف كل ما ينتمي إليه هشام. كانت الفوضى تحذر الدولة من ألا تقترب أكثر، ومن أن رأسها سيصبح هدفها التالي، منذ مساء الاثنين بات مصطفى الكاظمي في مرمى القناص، الذي حذره من أي محاولة لنزع الأقنعة، ومن مغبة مد يده على سلاحه ومكاسبه وغنائمه.
اغتيال هشام الهاشمي في هذا المنعطف الخطير من تاريخ العراق، هو أعنف رسالة توجه إلى مصطفى الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الوزراء، تطال دائرته الضيقة والمقربين منه، وتحاول إسكاتهم أو إخضاعهم بهدف إيقافه ومنعه من تنفيذ وعوده، وتجريده من الكفاءات الوطنية المحيطة به التي بنت تجربتها خارج السياقات السياسية، لا أحزاب السلطة التي عبثت بالدولة، كما كانت جزءاً من انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) وتبنت مطالبها، وبات الكاظمي في هذه اللحظة ومن باب الثائر لدم هشام مُطالب بتنفيذها، حيث لم يعد أمامه إلا حلّ من اثنين؛ إما التسليم بالواقع والاعتراف بالعجز، وإما المواجهة التي ستحرره من ابتزاز أحزاب السلطة وتجنبه مواجهة الشارع الذي لم يعد يقبل بأنصاف الحلول.
لا أحد في العراق يعرف تفسير الخوف بقدر ما يعرفه مصطفى الكاظمي، وهو الذي كان كتاب «جمهورية الخوف» جزءاً أساسياً من تكوينه السياسي والمعرفي، فقبل أن يكون رئيساً لجهاز المخابرات، عمل الكاظمي لعقد من الزمن على تدوين وتوثيق وتسجيل جرائم النظام السابق، وجمع ذاكرة شفوية لعشرات الآلاف من ضحاياه، وطالب بتطبيق العدالة لهم وليس الانتقام، وهو الآن مطالب أيضاً بتطبيق العدالة لصديقه هشام وكل الذين سقطوا برصاص الملثمين والقناصين، لحماية من تبقى في بغداد ومدن العراق الأخرى ممن يؤمنون بخيار الدولة والسيادة والعدالة.
في دولة البعث أقام صدام حسين جمهورية من الرعب والخوف وجلس على رأسها، أما في عراق ما بعد البعث، فتعددت الرؤوس وضاعت الدولة وعبث القناصون بمؤسساتها وأعادوا إنتاج جمهورية الخوف والرعب، فبعد 17 عاماً انتقل العراق من استبداد الفرد إلى الاستبداد الديني، الذي أفرغ الدولة وهدم فكرتها وتصرف بالعراق ساحة لا وطناً، وأمعن في قسوته إلى أن استعاد شباب الأول من تشرين زمام المبادرة، فتحولت ساحة التحرير إلى ساحة نزال ما بين القناصين الملثمين وجيل ما بعد البعث، بين من يرى شرعية سماوية لعنفه ومن يرى شرعية وطنية لمطالبه.
هو ليس الاغتيال الأول ولكن يجب أن يكون الأخير، ولكي يكون كذلك على القائمين على الدولة ألا يترددوا في استخدام ما يمتلكون من أدوات القوة والسلطة والعدالة، حتى لو كانت التكلفة مؤلمة وكبيرة لحماية ما تبقى من العراق من الفوضى التي لن تتردد في اغتيال كل من يشبه هشام.
يا صديقي أنا حزين، سألتني صباحاً متى أعود إلى بغداد، فقلت لك إني لست مستعجلاً على حياتي، أجبتني بلهجتك البغدادية: «أنتم السادة شنو عليكم مين يقرب منكم مو مثلنا»، وثم ضحكت وقلت: «يا معود تعال ماكو شي»...
أصبت هذه المرة ولم تصب، لكنك أصبتني بحزن ووحشة، ووجع انتظارك وحيداً في شوارع بيروت والكرادة وأبو نواس والجادرية...
هشام.. يا وحشة الطرقات... لا خبر يجيء من العراق، وداعاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هشام الهاشمي وجمهورية الخوف هشام الهاشمي وجمهورية الخوف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon