زاهي حواس
محمد على هو رائد النهضة ومؤسس مصر الحديثة منذ مطلع القرن التاسع عشر وتحديداً فى العام 1805م، وهو أول من أدخل زراعة القطن إلى مصر وجعله منتجاً زراعياً استراتيجياً يصدر إلى العالم كله. وقد عرفنا فضل محمد على وسياسته الزراعية والصناعية والتى صاحبتها نهضة علمية فى البلاد. والسبب فى أن التاريخ قد حفظ لنا سيرة وأعمال محمد على هو أنه كان الوالى على مصر؛ يتحدث عنه القاصى والدانى؛ ويتقصى المؤرخون أخباره؛ هذا فى عصر كانت فيه وسائل الإعلام محدودة وبطيئة. وفى نفس الوقت يعيش بيننا علماء وعظماء لا نشعر بوجودهم لبعدهم عن الأضواء أو لبعد الإعلام عنهم! فقدنا، فى الأسبوع الماضى، مصرياً عظيماً استطاع أن يدخل زراعة أنواع كثيرة من الفاكهة إلى مصر، بل أصبحت مصر بلداً مصدرة لها، وهو من قام بإنشاء معمل للزراعة بالأنسجة للإكثار من نوعية معينة من الفاكهة، ولفت أنظار المزارعين إلى الفراولة وأصبحت تأخذ رقم أربعة فى التصدير، بالإضافة إلى الخوخ والعنب وزراعة الموز الصحراوى.... إنه الراحل الدكتور كامل دياب، رائد زراعة الصحراء.
للأسف عرفت كل هذا وأنا أقدم واجب العزاء لصديقى صلاح دياب؛ حيث كان يجلس بجوارى أحد المهندسين الزراعيين من محافظة البحيرة وما إن رأى دهشتى من ذلك الحضور الكبير لرجال الزراعة من مهندسين ومزارعين وغيرهم؛ بدأ يحدثنى عن كامل دياب الذى لم أعرفه وقد أعطى لمصر الكثير، وفى نفس الوقت لم نسمع أنه تم تكريمه فى عيد الفلاح أو حصل على شهادة أو تقدير من أى مسؤول مصرى.... وبذلك نعود إلى نفس الأسطوانة التى شرخت من كثرة إعادتها وتكرارها- وهى لماذا: لا نكرم العلماء المصريين إلا بعد وفاتهم!! وهل نبخل عليهم بتكريم أو تشجيع وقد أفنوا حياتهم لخدمة بلدهم! نعم كان تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى لعلماء مصر بالأمس أمراً جميلاً؛ لكن هل فى مصر قاعدة بيانات للعلماء؟ وهل العلماء فقط هم من ينتمون إلى الجامعات والمراكز البحثية؟ وما هى معايير تكريم العلماء؟ إلى الآن ونحن نقترب من عام 2015 لا توجد إجابات على هذه الأسئلة مع شديد الأسف والأسى.
وجدت مظاهرة حب فى عزاء كامل دياب لم أرها من قبل، وقد شاهدت كل المسؤولين المصريين من رئيس الوزراء إلى كل الوزراء ومحافظى الشرقية والبحيرة، سواء القدامى أو الموجودين حالياً، وتحس أن محافظة الشرقية كلها كانت تودع ابنها كامل دياب. حضر العزاء عدد كبير من الصحفيين، حيث كان رحمه الله من المؤسسين لـ«المصرى اليوم»؛ التى أصبحت أهم جريدة فى مصر؛ واكتفى فى أيامه أن يكون الرئيس الشرفى للجريدة. هذا إلى جانب حضور العديد من الفنانين والأطباء ومختلف المهن، الجميع جاء ليودع كامل دياب الذى عاش بعيداً عن الأضواء؛ لكنه أثر بالإيجاب فى حياتنا وقد ترك الحياة وقد أحسن فيها فاستحق كل هذا الحب والاحترام؛ والذى جعل صلاح دياب ينسى آلام الظهر فيظل واقفاً يتقبل العزاء وهو يبتسم لكل هذا الحب.
تسبب عزاء الراحل كامل دياب فى أزمة مرور بالقاهرة؛ حتى إننى وصلت العزاء من المهندسين للتحرير فى ساعتين! وكان يجلس يمينى صديقى الكاتب الكبير صلاح منتصر وقال لى: «لم أرَ عزاء بهذا الشكل وهذا الحضور المتنوع!»، وتندر أحد الجالسين وقال: «كأنه عزاء النحاس باشا؟» أظن أن نيوتن سيكتب أن تكريم العظماء بعد موتهم عادة فرعونية! وأنا من الآن أقول له لا ليس عادة فرعونية، لكنه عادة دخيلة علينا نتمنى أن نتخلص منها.