بقلم - زاهي حواس
قصة الآثار المصرية فى الخارج تحتاج منا إلى وقفة!
لقد سافرت إلى لندن خلال شهر أكتوبر كى أشارك فى الحملة التى تطلقها الجامعة الأمريكية لجمع تبرعات من أجل إعانة الطلاب الفقراء المتفوقين. وقد قررت أن أستقل سيارة أجرة «تاكسى» وأذهب إلى ميدان «تايمز» كى أرى المسلة المصرية الموجودة هناك. وقد حاولت جاهدًا أن أرى المسلة، ولكن وجدتها محاطة بالأشجار وغير ظاهرة للعيان، بالإضافة إلى أن حالتها سيئة جدًا. وقد كان سبب الزيارة هو أن هذه المسلة موجودة فى لندن منذ حوالى مائتى عام أو بمعنى أصح كان يجب على الإنجليز أن يحتفلوا بوجود هذه المسلة فى لندن. ومن أهم أسباب الزيارة أيضًا هو أن هناك صحفيا من الـEconomist وجه لى هذا السؤال: لماذا لم يحتفل عمدة المدينة بالمسلة التى أهديت من المصريين إلى الشعب الإنجليزى؟ فقلت له: «إذا لم تقدروا قيمة المسلة، فأرجو أن تعود إلى مصر». أما تاريخ هذه المسلة فسوف نجد أن محمد على باشا قرر أن يهدى هذه المسلة إلى إنجلترا، وذلك عام 1819 خاصة أن اللورد نلسون قد ساعده فى معركة على النيل، وأخرى قام بها القائد كرومر فى الإسكندرية.
وكانت هذه المسلة موجودة داخل معبد إقامة الملك تحتمس الثالث، أعظم ملوك مصر المحاربين الملقب بنابليون العصر القديم، داخل معبد إله الشمس رع بمدينة هليوبوليس. وكان أغلب ملوك مصر أقاموا بعض المعابد والمسلات داخل هذه المدينة، والتى خرج منها أول تفسير لنشأة الكون، بل تم عمل أول تقويم شمسى، وبها أول جامعة فى التاريخ، وهى جامعة «أون» وهذا هو الاسم القديم للمدينة، أما هليوبوليس فكان الاسم اليونانى بمعنى «مدينة الشمس». وداخل هذه الجامعة، تعلم سيدنا يوسف، وتزوج ابنة كاهن أون وأنجب منها أولادًا، بالإضافة إلى تعلم أرسطو وأفلاطون بها.
وقد نقلت هذه المسلة فى العصور القديمة إلى الإسكندرية. ووضعت داخل سيرابيوم. وعرفت باسم «إبرة كليوباترا». وقد وجد الإنجليز صعوبة فى إيجاد تمويل نقل المسلة إلى لندن. ولم يتم نقل المسلة إلا فى عام 1878. والمسلة من الجرانيت الأحمر وترتفع حوالى 21 مترًا وتزن 224 طنًا. وهو نفس طول المسلة الموجودة فى نيويورك، والتى تزن 200 طن، وتعود لعهد تحتمس الثالث ونقش بها اسم رمسيس الثانى. وقد طلبت من عمدة نيويورك أن يرمم هذه المسلة أو تعود إلى مصر. وفعلاً تم عمل إعلان عام لترميم المسلة. وشارك المواطنون فى نيويورك. وجمعوا التمويل. ورُممت المسلة. وأزيلت العشوائيات من حولها عندما قامت عاصفة قوية أزالت الأشجار من حول المسلة. وأصبحت تُشاهد من كل مكان. وهذا ما نطالب به عمدة لندن. وسوف أتقدم بطلب إلى الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، الذى يرأس اللجنة القومية لاستعادة الآثار المسروقة كى نرسل خطابًا إلى عمدة لندن نطالبه فيه بالاهتمام بالمسلة وإزالة الأشجار العشوائية حتى يمكن أن تظهر فى الميدان، وأن يتم ترميمها؛ لأن المسلة رُممت مرة واحدة خاصة لحدوث تدمير بها خلال الحرب العالمية الثانية.
وأعتقد أن الاهتمام بآثارنا لا يكون فى الداخل فقط، بل يجب أن نحافظ على آثارنا فى الخارج لأنها ليست ملكًا لهم فقط، بل لابد أن يكون لدينا الحق فى الحفاظ عليها، وأن تعود إلى مصر إذا أُهملت.
وفى النهاية، أقول: يجب أن يتم إعادة النظر فى قضية عرض بعض الآثار المصرية الموجودة فى المتاحف لأن هناك العديد من المتاحف التى تعرض آثارنا دون تأمين أو عرض جيد، وهذا موضوع يجب أن يناقش ويطرح على المثقفين المصريين.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع