بقلم -زاهي حواس
وضعت هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية خطة طموحاً للكشف والحفاظ على التراث الأثري وتطوير العمل الأثري بالمملكة، وذلك من خلال محاور عدة؛ على رأسها رفع مستوى العمل الأثري من خلال الإعداد الجيد للأثريين السعوديين، وإتاحة الفرصة لهم للعمل في التنقيبات الأثرية والترميم، ومشاركة الخبراء الأجانب وتبادل الخبرات معهم. وتُولي هيئة التراث أهمية خاصة لأعمال التسجيل والتوثيق الأثري، وقد تحدّثنا، في المقال السابق، عن تطوير السجل الوطني لتسجيل التراث الأثري بالمملكة وباستخدام أحدث التقنيات العلمية والتكنولوجية.
ويأتي توثيق المنشآت الحجرية ضمن خطة هيئة التراث للمسح والتنقيب وتوثيق التراث الثقافي في مختلف مناطق المملكة، وقد أطلق الأمير بدر بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، مشروعاً علمياً لتوثيق ودراسة المنشآت الحجرية، وذلك بالتعاون مع المؤسسات والمراكز الوطنية والدولية ذات العلاقة. ويُعدّ هذا المشروع أحد أهم المشروعات البحثية في علم الآثار؛ حيث يهدف إلى دراسة وتوثيق المنشآت الحجرية بالمملكة، من خلال قاعدة بيانات أثرية شاملة وفق المنهجية العلمية المتبَعة والمعايير المعمول بها دولياً. وقد وضعت الهيئة استراتيجية طويلة المدى ينفذها فريق من الكوادر الوطنية المتخصصة بهدف الحصول على نتائج علمية تكشف عن جوانب مختلفة من التاريخ الحضاري للمملكة.
تتمثل أهمية المشروع في كونه الأول من نوعه بالمملكة، ومن المتوقع أن يتم توثيق ما يقرب من نصف مليون منشأة حجرية في جميع مناطق المملكة العربية السعودية. وتُعرَف المنشآت الحجرية بأنها شواهد معمارية لمبان حجرية متعددة الأشكال والوظائف، وتعود لفترات زمنية مختلفة، وتنتشر في جميع أنحاء المملكة، خصوصاً في المراكز الحضارية القديمة، وبالقرب من الواحات، أو بصفة عامة بالقرب من مصادر المياه. ومن أمثلة المنشآت الحجرية المصائد ذات الدوائر الحلقية والدوائر الحجرية والمستطيلات والجدران الممتدة والأعمدة المنصوبة وغيرها من المنشآت الحجرية التي تعود إلى فترات تاريخية تمتد من العصر الحجري الحديث وصولاً إلى العصرين الكلاسيكي والروماني. وتنتشر آثار الدوائر الحجرية في أغلب مناطق المملكة، وتتركز المستطيلات في حرة خيبر وشمال شرق حائل.
وتحتاج عملية التوثيق إلى تسجيل معماري دقيق ورسومات هندسية تحدد المقاييس والشكل للمنشآت الحجرية التي تعتبر شاهداً على حضارة المملكة العربية السعودية، ومن ثم فإن عملية التوثيق لهذه المنشآت تتطلب تدريب كوادر وطنية والتعاون مع الهيئات العلمية الأجنبية في سبيل تسجيل هذا التراث المهم.