بقلم: زاهي حواس
لم أجد شعباً في الدنيا يحتفل بالأعياد مثل الفراعنة... فقد تعددت وتنوعت بين أعياد قومية يحتفلون فيها بذكرى انتصاراتهم على أعدائهم، وذكرى مواقع حربية مشهورة، كالاحتفال بطرد الهكسوس من مصر، وكذلك الاحتفال بذكرى المعارك المجيدة التي خاضها الفراعنة مثل تحتمس الثالث ومعركته الشهيرة «مجدو»، والذي لا تزال خططه الحربية تدرس في الأكاديميات العسكرية بوصفه أول من طوّر فنون الحرب وتقنيتاها... كذلك كان الفراعنة يحتفلون بذكرى الوحدة التي بنيت عليها دولتهم بعد أن توحد شمال مصر مع جنوبها في كيان سياسي واحد...
وهناك أيضاً الأعياد الدينية، وقد جعل هذا هيرودوت، الملقب بـ«أبو التاريخ»، يذكر لنا أن الأعياد لم تنقطع في أرض مصر؛ فقد لا يفصل بين العيد والآخر سوى بضعة أيام، وما إن ينتهي الاحتفال بمناسبة دينية في مدينةٍ ما؛ حتى يبدأ احتفال آخر في المدينة التي تجاورها. هذه الأعياد كانت إما للاحتفال بأساطير دينية كأسطورة إيزيس وأوزوريس، وإما بأعياد خاصة بآلهة المدن الكبيرة وأعياد ذكرى تأسيس المعابد، وكان من أشهر وأطول هذه الأعياد «معبد الزواج الإلهي» بين حاتحور ربة الجمال والحب وحورس رب مدينة إدفو. ففي وقت محدد من كل عام، كان كهنة حورس يحملون تمثال الإله الموضوع على قاربه المقدس ويبحرون عبر النيل متجهين إلى الشمال لزيارة حاتحور بمعبدها في دندرة.
وهناك تستمر الاحتفالات لأكثر من عشرة أيام، ويظل حورس في ضيافة زوجته حاتحور داخل معبدها، وتقام مسرحيات الزواج الإلهي بين كهنة كل من حورس وحاتحور، ويستهلك المحتفلون بهذا العيد كميات كبيرة من النبيذ الذي كان يتم إعداده كل عام خصيصاً لهذه المناسبة، وكذلك الأضاحي تنحر كل يوم، ويتم توزيع لحومها بين الكهنة وسكان المدينة المبتهجين بهذا العيد.
ولأن مصر بلد زراعي منذ أقدم عصورها التاريخية، فقد تصدرت الأعياد التي ارتبطت بالزراعة والفلاح. ففي كل عام كان المصريون يترقبون وصول مياه الفيضان الذي بالنسبة لهم أهم المناسبات التي تدعوهم للاحتفال، وكان موسم الحصاد هو موسم البهجة، تقام فيه الاحتفالات في كل أرجاء مصر، وكانت مناسبة طيبة للفرق الموسيقية والمغنين والراقصين لكي ينتقلوا من قرية لأخرى يقيمون الاحتفالات الموسيقية التي يرعاها الموسرون من كبار الحكام، ومنها توثيق الموائد، ويتم طهي أشهى الأطعمة، وينال الأطفال حظهم من البهجة والسرور في هذه الأعياد. ومن أجمل أعياد الفراعنة الاحتفال بالتعمير والتشييد، فكان يوم انتهاء مشروعاتهم الكبيرة يوم عيد بالنسبة لكل من عمل فيها. فكان يوم إنهاء بناء الهرم عيداً احتفل فيه الملك مع المصريين ووضعوا الهرم المطلي بالذهب فوق القمة ليعلن إنهاء بناء الهرم.