بقلم: زاهي حواس
كان وادي الملوك هادئاً والجو حاراً، وذلك في يوليو (تموز) 1871، وكان أحمد عبد الرسول، أحد أفراد عائلة عبد الرسول الشهيرة، يرعى غنمه في الوادي، وفجأة هربت واحدة من القطيع إلى أعلى الوادي جنوب معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري، ثم جرى الشاب الصغير وراءها حتى وصل إلى قمة الجبل، وعندما بدأ يمسك النعجة وجد أمامه بئراً عميقاً يصل عمقه إلى نحو 20 متراً، وترك النعجة وبدأ ينزل إلى قاع البئر.
وجد عبد الرسول أن هناك سدة في الناحية الشمالية من البئر، ثم بدأ يزيل الأحجار حتى وجد أمامه مدخلاً لمقبرة منحوتة في الجبل، فدخل ووجد أمامه مفاجأة لم يتوقعها إطلاقاً. داخل البئر ذهب وفضة وتوابيت ونحو 40 مومياء ملكية. ولم يلمس أي قطعة من داخل خبيئة المومياوات وجرى ليقابل إخوته، وقال لهم عن الكشف الخطير. واتفقوا على أن يحفظوا السر ولا يتحدثوا مع أحد عن هذا الكشف.
في ذلك الوقت كانت الدول الأجنبية تعين قناصل بالأقصر مهمتهم الأساسية هي شراء الآثار وإرسالها إلى أوروبا وأميركا. وكان القنصل الإنجليزي صديقاً للأسرة، ولذلك عرف السر وبدأ يتناقش مع أولاد عبد الرسول. وقد دخلوا الخبيئة ثلاث مرات وحصلوا على بعض الآثار الملكية التي بدأت تظهر في أوروبا.
وكان ماريت باشا في زيارة لباريس، وهناك عرف بوجود آثار ملكية بدأت تباع في السوق، ولذلك أيقن أن هناك مقبرة ملكية قد كشفت بوادي الملوك، لذلك فقد أرسل مجموعة من الأثريين إلى الأقصر وعلى رأسهم أحمد باشا كامل، أول أثري مصري، وذلك للتعاون مع الشرطة لكشف السر.
وبعد عمل الكثير من التحريات وجدوا أن عائلة عبد الرسول لها يد في موضوع الكشف، لذلك فقد قامت شرطة قنا باعتقال واحد من أفراد العائلة وظل داخل السجن لمدة شهر كامل.
وخرج الشاب محمد عبد الرسول من السجن ودخل القرية بالقرنة ليعلن براءته من سرقة الآثار، ثم دخل المنزل واجتمع مع إخوته وقال لهم إنه تعذب في السجن، ولذلك يجب أن يكون نصيبه من الخبيئة أكثر، وبدأت المعركة والشجار بين الإخوة، حتى قام أحدهم بالذهاب إلى مدير قنا وأبلغ عن وجود خبيئة الدير البحري وذلك عام 1881، أي بعد 10 سنوات من كشفها. وجاء العاملون في الآثار والشرطة إلى مكان الخبيئة، واستمروا شهراً كاملاً في الحفر، واستخراج المومياوات ووضعوها داخل مركب لتسافر إلى القاهرة، وعند وصول المومياوات إلى القاهرة كان هناك منطقة جمارك ورفض موظف الجمارك دخول المومياوات لعدم وجود اسم لها بالدفاتر، ولذلك أشار عليه رئيسه بوجود كلمة «سمك مملح»، ودخلت المومياوات على أنها سمك مملح. وقد أخرج الرجل المبدع شادي عبد السلام هذه القصة باسم «المومياء»، وللأسف الشديد كل من عملوا في هذا الفيلم توفوا عدا الفنانة الجميلة العظيمة نادية لطفي التي تعيش في مستشفى المعادي، وعندما أزورها تحكي لي دائماً عن أجمل الأيام التي عاشتها بالقرنة وهي تمثل فيلم «المومياء». وأجمل المناظر عندما سافرت المومياوات إلى القاهرة ووقفت النساء بملابس سوداء يصرخن لرحيل أجدادهن من الأقصر.