هل جاء موضوع الكورونا ليظهر لنا حقيقة رجال الأعمال فى مصر، وأن نعرف أن غالبيتهم شرفاء، وأنهم يساهمون فى اقتصاد مصر، وأن لهم دورًا كبيرًا جدًا فى استيعاب العمالة المصرية؟أكتب هذا المقال وأعرف أن البعض لن يعجبه هذا الكلام، لأن نظرتنا لرجال الأعمال أصبحت عقيدة ثابتة، وليست رأيًا يمكن أن يتغير بمرور الوقت. لذلك رسخ فى ذهن الجميع أن رجال الأعمال فاسدون، وليس لهم دور فى المجتمع سوى جمع الأموال بشتى الطرق غير المشروعة. للأسف الشديد ساهمت الدراما فى استقرار هذه العقيدة لدى العديد من المصريين. فنرى دائمًا رجال الأعمال يظهرون فى الأفلام والمسلسلات وحولهم العديد من أفراد الأمن. وفى إحدى أيديهم كأس من الخمر، وفى اليد الأخرى سيجار. وحولهم العديد من النساء الجميلات. أكرر هنا أن نظرتنا لرجال الأعمال أصبحت عقيدة ثابتة يصعب أن تتغير بسهولة.
أكتب هذا المقال للصالح العام دونما أى غرض. وأشهد أننى حين كنت مسؤولا عن آثار مصر، وكانت لى صداقات مع بعض رجال الأعمال. لم أطلب من أحدهم طلبا للمساهمة فى مشروعات آثار مصر إلا واستجاب له على الفور، فهم يحبون الخير لمصر. شأنهم كما شأن معظم المصريين.
.. أهم دور يقومون به هو إتاحة فرص العمل للعديد من المصريين. فالجهاز الإدارى للدولة والشرطة والجيش وشركات القطاع العام. كل هؤلاء لا يستوعبون أكثر من 30 % من العاملين. الباقى كله هو دور القطاع الخاص. وعلى رأسه رجال الأعمال.
مع كل ذلك من الممكن أن نسمع عن رجل أعمال فاسد فى مصر. كما نسمع عن رجل أعمال فاسد فى إيطاليا أو أمريكا أو أى بلد. أما تعميم الحكم على هذه الفئة بجملتها. فهذا غير منطقى. بل فيه ظلم يضر ولا يفيد.
فى المحنة التى نمر بها راقبت العديد من رجال الأعمال. الذين تعطلت أعمالهم. بل توقفت فى أحيان كثيرة. وجدتهم وقد ظلوا متحملين لرواتب العاملين لديهم. تحملوا المحنة وحدهم. لم يستغنوا عن العاملين. حين وجدوا فى هذه المحنة أسبابا قهرية. كان يمكنهم استغلالها قانونا.
أعرف رجل أعمال رواتب العاملين لديه تتجاوز 3.5 مليار جنيه سنويا. مثل هذا الرجل أدعو له بزوال الغمة وأن يجد من عند الله تعويضا على محنته. أتمنى أن نغير هذه العقيدة. ونستبدلها بالإقرار بأن غالبية رجال الأعمال شرفاء ومحترمون وأنهم يساهمون فى اقتصاد البلد ولهم دور كبير فى مصر. نتمنى أن يتزايد. خاصة ونحن نجد الدولة حاليا بدأت فى تشجيع القطاع الخاص لكى يساهم أولا وأخيرا فى نهضة المجتمع.
قد شاهدنا لأول مرة كيف أن أحد رجال الأعمال قد ساهم فى افتتاح متحف فى الغردقة. تحمّل تكلفة المبنى والعاملين والحراسة. حينها قامت وزارة السياحة والآثار باختيار القطع الأثرية التى تم عرضها. وتم افتتاح هذا المتحف كمساهمة من رجال الأعمال فى تشجيع السياحة والثقافة. وأتمنى من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن يبحث كيفية تشجيع رجال الأعمال على التبرع للثقافة وعمل الخير من خلال ضرائبهم. هذا النظام إن كان جديدًا علينا، فهو موجود فى الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك قام المجتمع الأمريكى على نظام التبرع والتطوع، أى أن يتبرع كل قادر بالمساهمة فى متحف آو جهة ثقافية أو مستشفى. هناك من لا يملك مالا ليتبرع به. لكنه يتبرع من وقته لخدمة الوطن. للأسف لانزال نشكك فى موضوع التبرع وفى أى شخص يتبرع بماله أو وقته للصالح العام.
سوف أحكى لكم حكاية غريبة. فقد وجدت أن هناك شكوى من سوء دورات المياه فى المتحف المصرى بالتحرير، لذا قمت بتكليف إحدى الشركات بحل هذه المشكلة. وتم إنشاء دورات مياه على أعلى مستوى. وتصادف أن قابلت سيدة على المعاش تريد أن تقدم شيئًا لبلدها، بحذر طلبت منها أن تتبرع بوقتها، عندما أسندت لها الإشراف على دورات المياه بالمتحف. استطاعت السيدة أن تقضى على العديد من التصرفات غير اللائقة التى كانت تصادف السائحين. مع ذلك لم تسلم السيدة. وبدأ أصحاب النفوس المريضة يطلقون عليها الشائعات المغرضة، حتى وصل بهم الأمر إلى اتهامها بالباطل بأنها زوجة تاجر آثار!!!
فى النهاية أتساءل هل هناك أمل أن نغير من صورة رجال الأعمال. ليس فقط من خلال الدراما ولكن من خلال نظرة المجتمع نفسه لهم، وأن نبتعد عن الحقد المدمر، ونترك الكل يعمل بجد وإخلاص من أجل بلدنا الحبيب؟ المهم أن نغير العقيدة الخاصة التى تحكم نظرتنا إلى رجال الأعمال، وأن ندرك أن الغالبية منهم فى مصر شرفاء. يؤدون واجبهم نحو المجتمع.
نحمد الله سبحانه وتعالى على رحمته بنا. وأشيد بموقف الدولة المصرية والإجراءات الحاسمة التى اتخذتها بقيادة وتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى. فجعلت كل المصريين يقفون معًا يدًا واحدة. حتى نمرّ من هذه الأزمة بسلام. أنا على يقين بأن ما حدث هو اختبار من الله للعالم كله. هناك من يعتقد أن الله كان رحيما بالمصريين حتى الآن، فلم يحدث معهم مثلما حدث فى الصين أو نيويورك أو إيطاليا.
هناك العديد من الأشياء التى سوف تتغير بعد موضوع كورونا. فهذا هو التوقيت الأفضل للتأمل ومراجعة النفس، لكى نتعاهد على أن نعمل من أجل هذا البلد، وأن نقف خلف الدولة المصرية وقيادتها، وأن نقف معًا ضد كل شائعة مغرضة هدفها أن تضر بمصرنا الحبيبة