توقيت القاهرة المحلي 22:38:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الذكرى الثانية للدكتور رمضان حسين

  مصر اليوم -

الذكرى الثانية للدكتور رمضان حسين

بقلم : زاهي حواس

قد تبدو للبعض مجرد قصة كفاح قصيرة لعالم مصرى شاب غيبه الموت وهو فى قمة حيويته وعطائه، إلا أنها فى الحقيقة نموذج رائع ومثالى لما يمكن لعزيمة وصبر شاب مصرى من قلب حى شبرا العتيق أن يحققه. تعلم رمضان بدرى حسين فى مدارس حكومية، وتخرج فى جامعة القاهرة حاصلًا على ليسانس الآثار المصرية عام ١٩٩٤. وما زلت أذكر هذا اليوم الحار من شهر أغسطس عندما دخل إلى مكتبى هذا الشاب الأسمر تعلو وجهه ابتسامة أمل وتفاؤل؛ قدم نفسه إلى بكل ثقة قائلًا: «رمضان بدرى، خريج كلية الآثار، دفعة هذا العام، جئت للعمل مع حضرتك!». لم يكن رمضان يحمل كارت توصية من شخصية مهمة ذات مركز مرموق، ولم يقل لى إنه من عائلة فلان وقريب فلان ويعرف فلانا وفلانا!، لم يكن رمضان سوى نفسه وما يحمله من علم وأخلاق وتربية مصرية أصيلة. وبالفعل بدأت رحلة رمضان معى من هذا اليوم. وما هى سوى أشهر قليلة إلا واستطاع أن يكسب احترام الجميع، ورشحته للتدريس فى عدد من معاهد السياحة وكان أن تفوق على كل من كان فى مثل عمره بل ومن كانوا يسبقونه بسنوات. كان طموح رمضان ونهمه إلى العلم والتفوق بلا حدود، وطاقته أكبر بكثير من أن يقف أى إنسان فى طريقه. كنت أعلم أنه سيكون له شأن عظيم بين علماء المصريات، وكنت أعلم أنه سيخدم آثار مصر ويحافظ عليها. لذلك بدأت البحث له عن منحة للدراسة ونيل درجة الدكتوراه، وبالفعل ساعدته فى الحصول على منحة دكتوراه من جامعة براون الأمريكية العتيقة؛ واحدة من أعرق جامعات العالم وبها قسم للمصريات والدراسات الشرقية هو من أهم أقسام المصريات فى العالم كله.

بدأت رحلة رمضان فى الولايات المتحدة الأمريكية فى ظل ظروف صعبة بل وربما تكون مستحيلة، خاصة بعد وقوع هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وسقوط مبنى التجارة العالمى فى نيويورك. وكان على رمضان التركيز فى دراسته والحياة بأقل القليل من المال للدراسة قبل أن يحصل على منحة كاملة. كنت على ثقة من تفوق رمضان حسين وكنت أتابع معه ومع أساتذته كل ما يخص دراسته، وحياته هناك. تمر سبع سنوات أو ما يزيد بقليل ليعود رمضان حسين من الولايات المتحدة الأمريكية حاملًا درجة الدكتوراه ومعه أسرته الصغيرة المكونة من زوجته الدكتورة أنجيلا وملاك صغير اسمه يوسف، وبالفعل عاد الدكتور رمضان وتم تعيينه مديرًا لمركز تسجيل الآثار وما هى سوى أشهر قليلة وكان رمضان قد استطاع نفض التراب عن المركز وتحويله إلى خلية نحل تعمل وتكتشف كنوزا كانت محفوظة فى الأرشيفات. كون رمضان فرق عمل من شباب الأثريين وعلمهم وسائل التسجيل الأثرى الحديث، وأصبح له تلامذة ومساعدون يحترمونه ويقدرون علمه الغزير.

كانت الأمور تسير نحو المنهج الطبيعى؛ وهو أنه يومًا ما سيصبح الدكتور رمضان حسين هو الأمين العام ثم وزيرًا للآثار وربما رئيسًا للأكاديمية المصرية بروما أو فى منصب مهم باليونسكو.. هكذا كنت أثق فى مستقبل تلميذى المجتهد. لكن وقعت أحداث يناير ٢٠١١ التى استغلها أعداء مصر فى النيل منها، وبمنهجية مخطط لها بعناية بدأت حملات منظمة لتشويه كل رموز الوطن وعلمائه لا لشىء سوى كونهم يخدمون بلدهم ويقفون عقبة فى وجه مخططاتهم. توليت لفترة وزارة الآثار واخترت الدكتور رمضان مساعدًا لى ولكن سرعان ما قفز الإخوان إلى الحكم، ولم يكن أمام الدكتور رمضان سوى أن يغادر مصر مع أسرته إلى وجهة أخرى يستطيع فيها تحقيق ذاته واستكمال مشواره فى الحياة. بعد فترة قصيرة فى الولايات المتحدة كان قد استطاع الحصول على منحة للتدريس والعمل فى جامعة توبنجن بألمانيا التى غادر إليها مع أسرته متحملًا وحده أعباء كل هذه الانتقالات من بلد لآخر، خاصة أنه كان قد رزق فى مصر بطفلين آخرين. فى توبنجن كان رمضان يقوم بالتدريس والعمل فى مشروع مهم لإعادة نشر وتسجيل كتب العالم الآخر المسجلة على جدران عدد من مقابر العصر الصاوى والفارسى بسقارة فى محيط المعبد الجنائزى لهرم الملك ونيس. وبالفعل استطاع من خلال هذا المشروع والمنحة التى حصل عليها من جامعة توبنجن العودة إلى مصر على رأس بعثة أثرية من جامعة توبنجن للعمل بسقارة.

مواسم عمل قليلة ونتائج مبهرة ونشر علمى متميز جعل الدكتور رمضان بدرى حسين يؤمن لنفسه مكانًا متقدمًا بين علماء المصريات خاصة فى مجال تخصصه. ولفتت نتائج الحفائر التى قام بها فى سقارة أنظار المجلات المتخصصة التى تنشر مقالات عن الآثار المصرية وأحدث الاكتشافات فى مصر. كان رمضان قد استطاع الكشف عن قناع جنائزى بديع جعل المتخصصين يصنفونه ضمن أعظم الاكتشافات فى ذلك العام، ثم سرعان ما توالت الاكتشافات الأثرية على يد الدكتور رمضان الذى كشف لنا عن ورشة تحنيط بسقارة فى حالة حفظ رائعة، أضافت الكثير إلى معلوماتنا عن التحنيط فى مصر القديمة خلال العصور المتأخرة، وقامت قناة الجمعية الجغرافية بعمل فيلم تسجيلى معه عن اكتشافاته المثيرة فى سقارة. كان الدكتور رمضان يجمع بين فضيلة العلم والأخلاق وكان رحمه الله محبوبًا من كل الناس على اختلاف طبائعهم، ولم يكن فى يوم من الأيام طرفًا فى مشكلة بل دائمًا كان هو من يتطوع لحل مشكلات زملائه وتلامذته.

لم أكن أتخيل أنه سيأتى يوم لأكتب عن تلميذى الدكتور رمضان بصيغة الماضى!، لكن هذا قضاء الله الذى أنعم عليه بالعلم والخلق الطيب وجمع له حب الناس. وقد ترك لنا رمضان ذكرى جميلة ستظل تحيا معنا إلى أن نلتقى عند رب غفور رحيم. مات رمضان بعد أشهر قليلة من المرض ورحل عن دنيانا فى ٨ مارس ٢٠٢٢. وكنوع من التكريم له ولروحه تقرر إصدار مؤلف من الدورية العلمية للمجلس الأعلى للآثار يشترك فيه بعض من محبيه من أساتذة المصريات بمقالات علمية مهداة إلى روحه. واليوم الثلاثاء الخامس من مارس وبمناسبة مرور الذكرى الثانية لوفاة تلميذى الدكتور رمضان حسين، ينظم الدكتور على عبد الحليم مدير المتحف المصرى بالقاهرة معرضًا يضم مراحل من التاريخ العلمى وأهم الاكتشافات الأثرية التى حققها الدكتور رمضان حسين، وهذه فرصة لكل شاب يريد أن يجتهد ويتعلم ويكافح أصعب الظروف ليحقق ما يحلم به؛ أن يأتى إلى المتحف المصرى ويزور هذا المعرض لكى يعرف أنه بالفعل يستطيع.

يظل هناك مطلب بل وأمل أعلم أن السيد اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة سيحققه لكى نضرب المثل العظيم لكل الأجيال، ونعلى من قيمة العطاء الذى لا يقاس بطول العمر أو قصره. ومطلبى هو أن يتم إطلاق اسم الدكتور رمضان بدرى حسين على أحد شوارع حى شبرا الذى ولد به ليظل اسمه حيا بيننا. لقد كان من أعظم ما حرص عليه أجدادنا الفراعنة هو إبقاء أسماء العظماء من الملوك والعلماء حية بينهم يرددونها ويترحمون على أصحابها، وفى ذلك يقول الحكيم المصرى القديم: «يموت الإنسان عندما يموت آخر شخص يتذكر اسمه»، سيظل رمضان بدرى حسين حيًا بذكراه واسمه بيننا

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكرى الثانية للدكتور رمضان حسين الذكرى الثانية للدكتور رمضان حسين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon