أول مرة قابلت فيها الرئيس حسنى مبارك كانت عندما جاء لزيارة «أبوالهول» بعد أن أصبح هذا التمثال حديث العالم كله، خاصة بعد الترميمات الخاطئة التى دمرت التمثال وغيرت فى نسبه التشريحية مع استعمال الأسمنت فى الترميم، وبعد ذلك سقط حجر مرمم من كتف أبوالهول اليمنى؛ لذا جاء الرئيس لزيارة «أبوالهول»، وكان بجواره الفنان فاروق حسنى والعديد من رجال الدولة وكنت أقف بعيدًا. وبعد ذلك، سأل الرئيس: «فين زاهى حواس؟». وجاء أحد مساعدى الرئيس يطلب منى مقابلة الرئيس. ووقفت أمامه. وقال لى: «أين كنت عندما حدث كل هذا للتمثال؟!» قلت: «كنت فى بعثة يا سيادة الرئيس. وعندما حضرت من أمريكا بعد انتهاء البعثة قمت بإيقاف أعمال الترميم». وبعد ذلك، جاء الرئيس بصحبة القذافى وكانت علاقات مصر مع السودان فى ذلك الوقت يشوبها بعض الضباب. وقد قمت بالشرح. وكنت أشرح الهرم. وكان القذافى يقول: «إن السودانيين هم الذين بنوا مراكب الشمس» وطبعا تركناه يتكلم هذا الكلام الذى ليس له أساس من الصحة. وبعد ذلك، تم إحضار مجموعة من التماثيل التى كشفت فى مقابر العمال.
وقد جاء مرة ثانية الرئيس مبارك لزيارة منطقة الهرم. وكان معه الرئيس بشار الأسد. وفى ذلك اليوم، تم تعيينى أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للآثار. وفى أول المقابلة، وجدت أن الرئيس قام بتهنئتى بهذا التعيين وكانت لفتة جميلة من الرئيس وبعد الظهر جاءت السيدة سوزان مبارك مع حرم الرئيس بشار الأسد وقد قامت بتهنئتى بالمنصب.
أما القصة اللطيفة الأخرى فقد حدثت عندما كنت أحفر داخل معبد تابوزيرس ماجنا ببرج العرب فى رحلة البحث عن مقبرة كليوباترا ومارك أنتونى. وقد نزلت داخل بئر يصل عمقها لحوالى 40 مترًا. وتمت عملية النزول عن طريق وضع قدمى فى مقطف متصل بماكينة. وبدأت أنزل داخل البئر حتى وصلت إلى قاعها. وبعد ذلك، شددت الحبل وطلبت من زملائى بالأعلى أن يخرجونى من البئر والمفاجأة أن الماكينة تعطلت، وظللت داخل البئر أكثر من ساعة أنظر إلى أسفل البئر أشاهد مياها، وأنظر إلى الأعلى، أجد هناك صراخًا من زملائى. وقد اتصل الوزير فاروق حسنى بى بعد أن خرجت بالمصادفة. وحكيت له الحكاية. ولا أعرف سبب أنه قص على الرئيس مبارك هذه الحكاية. وفى المساء، وجدت مكتب الرئيس يتصل بى تليفونيًا بالمنزل. وكان الرئيس على الخط يطلب منى أن أقص عليه الحكاية. وبعد ذلك سأل عن مكان البحث عن مقبرة كليوباترا ومارك أنتونى. وقلت له: «إننا نعمل داخل معبد. ويقع مباشرة بجوار استراحة الرئيس ببرج العرب». وقد طلب منى كل التفاصيل الخاصة بالبحث عن كليوباترا وعن شعورى وأنا محبوس داخل البئر.
وقصة أخرى بينى وبين الرئيس عندما جاء لافتتاح معبد كلابشة بأسوان بعد التطوير. وكنت أنتظر حضور الرئيس داخل المعبد وحضر الرئيس عن طريق مركب ومعه الوزير والعديد من رجال الدولة وقبل أن يصلوا إلى المعبد. قال فاروق حسنى للرئيس مبارك: «إن محاضرة زاهى حواس فى أمريكا وصلت إلى مائة ألف دولار». وعندما قابلت الرئيس داخل المعبد قال لى: «وصلت محاضرتك بكام دلوقتى يا زاهى؟». وأضاف: «أنا سمعت أنها وصلت مائة ألف»، وهو يضحك، فقلت: «والله يا فندم دى إشاعات الوزير فاروق حسنى». وضحك الجميع. بعد ذلك قال الرئيس لكن قولى المحاضرة ثمنها كام؟ قلت يا فندم أقل من ذلك بكثير.
وقد حدث أن سقط حجر يزن 25 كيلوجراما على رأسى وأنا أحفر داخل معبد تابوزيرس ماجنا. وقد أثر ذلك على عينى اليسرى. وبعد الكشف، اتضح أن عندى ثقبًا فى المقلة. وقد رفض الأطباء فى مصر أن يجروا العملية، ونصحوا بالسفر إلى أمريكا. ولا أعرف كيف عرف الرئيس. ووجدته يتصل بى تليفونيًا ويسأل عنى وحكيت له قصة الحادث. وبعد نصف الساعة، اتصل بى مرة ثانية. وقال إنه قرر أن الدولة ستتكفل بعلاجى فى الخارج، وأن د. الجبلى سوف يتصل بى لترتيب كل إجراءات السفر. ولم أتصور أن الرئيس وأمام كل مسؤولياته يتصل بى مرتين. وعندما قلت له «إن هذا كثير علىَّ يا سيادة الرئيس». قال بالنص: «إنت عملت كتير للبلد ويجب أن تكافئك مصر على ما قدمته».
وعندما قمت بإجراء العملية، كان يتصل بى فى أمريكا أكثر من مرة، وسألنى عن صحتى فى المرة الأولى. وقلت له: «إن الطبيب الذى عمل لى العملية طلب أن أنظر على الأرض لمدة 24 ساعة يوميا لضمان نجاح العملية». فضحك الرئيس، وقال: «عشان تعرف تحفر كويس عن الآثار».
ومن الذكريات الأخرى التى تبين المعدن الجميل لهذا الرجل العظيم عندما قام متحف اللوفر بشراء أربع قطع أثرية مسروقة من مقبرة بالبر الغربى من الأقصر. واتصلت بالمتحف لإعادة اللوحات المسروقة وخاصة أنهم اشتروا هذه الآثار وهم يعرفون أنها مسروقة من إحدى المقابر، وأعطيتهم مهلة 6 شهور، لإعادة الآثار المسروقة وانتهت المهلة ولم تعد اللوحات إلى مصر. وبعد ذلك، طلب المتحف العمل فى سقارة، فقررت اللجنة الدائمة للآثار المصرية إيقاف عمل البعثة حتى تتم عودة اللوحات. وكانت صدمة لكل الفرنسيين. ولم يتصور أحد أن بعثة اللوفر يمكن أن يتم إيقافها. وفى صباح أحد أيام 2010، اتصل بى الرئيس، وقال إن الرئيس ساركوزى اتصل به اليوم وقال إنك أوقفت بعثة اللوفر عن العمل. وأضاف الرئيس: لماذا فعلت ذلك؟ قلت: «هل يا فندم عند حضرتك وقت تسمع الموضوع وقصته بالكامل، وحكيت القصة للرئيس، وقال بالنص: «إنت عملت الصح، وأنا مسافر إلى باريس، وأرسل حد عشان يرجع اللوحات». وفعلاً عادت الآثار إلى مصر بفضل الرئيس مبارك. وقلت لصديقى صلاح منتصر الحكاية فقال: «إن هذا الرجل عظيم لأن بعد شكوى ساركوزى كان ممكن أن يتصل بفاروق حسنى ويقول له شيل الجدع ده اللى عملنا مشاكل مع الفرنسيين».
وعندما وصلت إلى سن 63، ولم يكن هناك أى أمل فى أن أستكمل العمل كأمين عام للآثار بعد ذلك، وكان المفروض أن أحال إلى المعاش فى مايو، اتصل بى الرئيس فى يناير، وكان ذلك يوم جمعة. وقال: «إنت فين؟» قلت «والله يا أفندم أنا قاعد مع واحدة أمريكية زى القمر فى الهيلتون». فضحك الرئيس وقال: «يا بختك». وبعد ذلك: «قال إمتى سوف تحال للمعاش؟». قلت له: «لسه بدرى يا ريس» فقال إنه قرر تعيينى نائب وزير لأن ذلك سوف يسمح لى بالعمل بعد السن القانونية للمعاش؛ وقال إن د. ذكريا عزمى سوف يقوم بالإجراءات القانونية. وطلب منى ألا أخبر أى شخص بهذا الموضوع وصدر قرار تعيينى نائب وزير بعد هذه المكالمة بشهرين.
ومن الذكريات الجميلة التى لا أنساها للرئيس مبارك أنه بعد إجراء عملية جراحية لسيادته فى ألمانيا قال لطبيبه المعالج: هل لديك أى طلب من مصر؟ فقال الطبيب: عايز برنيطة زاهى حواس، وقالت الممرضة: عايزة كتاب موقع منه. وطلبت منى الرئاسة أن أجهز هذه الطلبات وتم إرسالها عن طريق مكتب الرئيس إلى ألمانيا.
وكانت المقابلة الأخيرة عندما تم إنشاء أول وزارة للآثار بعد الثورة وكان الفريق أحمد شفيق كُلف بتشكيل الوزارة، وكان يعرف أنه لو عرض على وزارة الثقافة سوف أرفض لتمسكى بحبى وعشقى للآثار، لذلك فقد أنشأ لأول مرة وزارة جديدة للآثار، وعندما اتصل بى الدكتور زكريا عزمى للحضور لحلف اليمين، كان هذا اليوم من أسوأ أيام حياتى لأننى لم أود أبدا أن أصبح وزيراً، بل كنت أريد أن أبقى أميناً عاماً برتبه وزير دون حضور اجتماعات مجلس الوزراء، وكانت هذه آخر مقابلة لى مع الرئيس بعد حلف اليمين.
وقد كنت ضيف فى برنامج «القاهرة اليوم» مع الإعلامية المتميزة «رانيا بدوى» وقد سألتنى عن السيدة سوزان مبارك وكان ذلك أيام عهد الإخوان، وتحدثت عن إنجازات هذه السيدة العظيمة، وأنها أعطت عمرها لكى يكون هناك إنجازات ومشاريع هامة جداً سواء للطفل والمرأة والثقافة والصحة، وقد دخل هذا الحديث قلوب كل الناس فى مصر، وفى اليوم التالى اتصل بى الإعلامى تامر عبدالمنعم ويقول: الرئيس مبارك عايز يكلمك.. وقد وجدت الدموع تنزل من عينى خلال هذه المكالمة.
أعتقد أن الرئيس «عبدالفتاح السيسى» قد كرم هذا البطل، آخر أبطال حرب أكتوبر، وأقام له جنازة عسكرية وأعلن فى مصر الحداد ثلاثة أيام، وقد حضرت العزاء، وقد دخلت بصعوبة بالغة إلى الحجرة الخاصة لكى أقبل يد السيدة العظيمة «سوزان مبارك»، وأجمل منظر شاهده العالم هو أن رئيس مصر وبجواره رئيس سابق يحضران جنازة رئيس سابق لمصر.
عظيمة يا مصر