بقلم : زاهي حواس
د. على فكرى
أكتب عن هذه الشخصية فى مقدمة مقال اليوم لأن هذا الرجل يثبت أن موظف الحكومة يمكن أن ينال تصفيق كل الناس، إنه على فكرى رئيس مكتب الشهر العقارى بنادى الجزيرة.
ذهبت إلى أحد مكاتب الشهر العقارى بالقاهرة وعندما وصلت الباب، وجدت مواطناً يصرخ قائلاً:
«دا مش مكتب محترم.. مفيش نظام من المواطنين وكل واحد عايز حاجة علشان يمشى الشغل..»، لذا خرجت منه دون أن أحاول استكشاف ما يدور بهذا المكتب. وأنا فى طريقى إلى مكتبى اتصلت بصديقى الكاتب الكبير صلاح منتصر وقلت له الحكاية، فقال لى لابد وأن أتجه إلى مكتب الشهر العقارى بنادى الجزيرة. وما إن وصلت إلى هناك حتى اكتشفت أن آلية العمل فى هذا المكتب لابد وأن تدرس لكل العاملين فى الحكومة الذين يتعاملون مع الجمهور.
وضع الدكتور على فكرى نظاماً حاسماً، فليس هناك فرق بين الوزير والخفير ولا أحد يمكن أن يتجاوز دوره، كما وجدت أن جميع الحاضرين فى حالة رضا وعلى وجوههم ابتسامة. فى المقابل وجدت هذا الرجل يردد بأنه لا يريد عبارة شكر لأن هذا هو واجبه لكنه يريد من كل مواطن أن يصبر ويهدأ حتى ينال حقه.
د. على فكرى رجل محترم مبتسم ومثال حقيقى لرئيس المكتب، الذى يجب أن يكافأ، ليس بالمال ولكن بكلمة شكر من السيد المستشار عمر مروان، وزير العدل، وله منى أنا أيضاً جزيل الشكر، لذا شكراً د. على فكرى.
ذهبت اليوم إلى منطقة آثار سقارة، حيث تقوم بعثة مصرية بالحفر بجوار هرم الملك تتى أول ملوك الأسرة السادسة، والتى يعمل معى بها الأثرى عصام شهاب. فقد كشفنا عن مجموعة أبيار منحوتة فى الصخر. حينها نزلنا إلى عمق حوالى عشرة أمتار عن طريق الحبال واضعاً قدمى داخل مقطف، فوجدت توابيت بديعة رائعة تعود إلى عصر الدولة الحديثة أى منذ ثلاثة آلاف عام. وكانت هذه مفاجأة لأن أبيار سقارة عادة تحتوى على توابيت من العصر المتأخر. وقد أشرفت بنفسى على فتح أحد تلك التوابيت وكان ملوناً مزخرفاً، ووجدت بداخله مومياء بديعة لسيدة بجوارها مجموعة رائعة من تماثيل الشوابتى التى من المفترض أن تجيب على الأسئلة التى توجه للمتوفى فى العالم الآخر حسب المعتقد المصرى القديم.
أحمد عبد المعطى حجازى
شاعر وناقد وعضو المجلس الأعلى للثقافة وكاتب بصحيفة الأهرام. ولد حجازى بمحافظة المنوفية وهو المصرى الوحيد الذى يتحدث اللغة الفصحى فى كل أوقات حياته، وتخرج منه الكلمات بأسلوب رشيق وصوت رصين يجعل اللغة العربية الفصحى ذات مذاق جميل. يعتبر حجازى من رواد التجديد الأدبى فى الشعر المعاصر. صوته الشعرى صوت لا يهاب الإرهاب بل يقف له بالمرصاد من خلال مقالاته النارية وأبياته الشعرية. قال حجازى فى حديث له ببرنامج «ممنوع» إن سارتر يولد من خلال كتابته ويعتقد أنه هو أيضاً كذلك، كما قال أيضاً أن الإنسان حيوان ناطق، فقبل أن ينطق لا يكون إنساناً ويجب عليه أن يعرف اللغة حق المعرفة، كما أشار إلى أن الإنسان لابد وأن يتحدث عن تفكير، فبدون تفكير لا توجد لغة. وإذا ما تابعت أحاديثه الصحفية أو التليفزيونية لا تشعر وكأنك أمام شاعر فحسب، بل أمام فيلسوف يعطى نصائح فى الثقافة والسياسة. أحمد عبد المعطى حجازى من أكثر المعجبين بجان بول سارتر، وقد قابله لأول مرة فى باريس عام 1967، ودارت نقاشات حول قضية الحرية والعدالة الاجتماعية وموضوع فلسطين. ومن آرائه أنه لا يوجد بشر فى أى مكان بالدنيا لا يعرفون سارتر، فهو النجم والروائى والزعيم والكاتب المسرحى. وقد تقابل سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر حين كان حجازى ضمن مجموعة من المثقفين المصريين أثناء تلك الزيارة بالمسرح القومى بمصر.
لم يكن حجازى من أسرة تعرف الفلاحة، رغم أن غالبية أهل قريته من الفلاحين، فقد نشأ فى منزل والده الذى كان مثقفاً وقارئاً نهماً، حيث كانت لديه مكتبة تحتوى على مئات الكتب فى العديد من المجالات، فكانت تلك المكتبة هى السبب القوى فى تكوين شخصيته وتفكيره، كما كان والده من ثوار ثورة 1919. وقد أرسله والده إلى الكُتّاب وهو فى سن الرابعة لكى يحفظ القرآن الكريم. ولذلك استطاع من خلال حفظه لكلام الله سبحانه وتعالى أن يبدع فى اللغة بالإضافة إلى أدوات أخرى ساعدته على هذا التفرد فى الحياة مثل تلك المكتبة المهولة فى منزل الأسرة.
الكلمات تخرج من فم حجازى وقلبه بحماس شديد خاصة وهو يناقش القضايا الثقافية، فقد سمعته يتحدث بقوة وصدق عندما كنت عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة. أحمد عبد المعطى حجازى يجعلك تنصت إليه وهو يتكلم وكأنه يعزف قطعة موسيقية، فهو عاشق للشعر واللغة العربية الفصحى.
حسين فهمى
قدم لنا حسين فهمى أكثر من مائة فيلم وعدة مسلسلات وأدوار مسرحية بديعة، واستطاع أن يصبح نجماً لامعاً من نجوم الفن. يعتقد البعض أن وسامته قد ساعدته على النجاح وهذا بلا شك أمر خاطئ. فقد تخرج فهمى من المعهد العالى للسينما، وبعدها سافر إلى جامعة لوس أنجلوس بكاليفورنيا لدراسة الإخراج السنيمائى، ولكن المخرج العبقرى حسين الإمام هو الذى قدمه كممثل. من أهم مميزات حسين فهمى هى الابتسامة التى لا تفارق وجهه، لذلك أحبه كل المصريين. وقد تعرفت عليه أول مرة منذ سنوات طويلة عندما قابل فى أسوان سيدة أمريكية من هواة الفراعنة واتفقت معه على دعوتى على العشاء، فكانت هذه هى المقابلة الأولى بيننا. وبعد ذلك تقابلنا كثيراً فى أمريكا. وأذكر أنه جاء إلى أمريكا عندما أحضر الدكتور عادل حسنى، الخبير السياحى المعروف، العديد من نجوم السينما والمسرح إلى أمريكا، ومنهم فؤاد المهندس وفريد شوقى حيث كانوا يقدمون «قفشات» على المسارح للمهاجرين المصريين، وكان ذلك كما أعتقد عام 1981، وكان حسين فهمى حينها يقلد عبد الفتاح القصرى بشكل طبق الأصل.
حسين فهمى له العديد من الأدوار فى السينما جعلته دونجوان السينما المصرية، منها «خلى بالك من زوزو» بالإضافة إلى عدة أدوار درامية مثل أدواره فى «آه يا بلد، والعار، وجرى الوحوش، واللعب مع الكبار»، حيث كان كل دور له لون خاص يجذب الجمهور بشكل كبير. ومن أهم المسلسلات التى قدمها «هوانم جاردن سيتى» و«قاتل بلا أجر». أما على خشبة المسرح فقد أثبت أنه فنان يمكن أن يؤدى أى دور بما فيه دور الفلاح الذى برع فيه. وقد شاهدت مسرحية «أهلا يا بكوات» مرتين: الأولى وهو أمام عزت العلايلى، والثانية أمام الراحل محمود يس، وأعتقد أن حسين فهمى ضمن بعض الفنانين المصريين لن يتكرروا لأنهم تركوا لنا تراثاً فنياً سوف يسجل فى التاريخ. اختير فهمى سفيراً للنوايا الحسنة وجاء هذا الاختيار فى محله لأنه أيضاً من الفنانين القلائل الذين يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، وهو من طبقة أرستقراطية ويقال إنه من أصول شركسية. حسين فهمى فنان ذو كاريزما طاغية عندما يتواجد فى أى مكان، ومن الصعب الآن أن تجد فناناً يلعب نفس أدواره التى قام بها. حسين فهمى شخصية محترمة، وفنان سجّل اسمه بحروف من ذهب فى عالم الفن، ودخل قلوب المصريين، لذلك أسلّم له وسام الامتنان.