بقلم: زاهي حواس
ما زال الكشف الذي أعلنه الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة السعودي والمسؤول عن حماية التراث بالمملكة له أصداء عالمية، وأنا شخصياً كأثري أجد أن هذا الكشف سوف يعيد كتابة تاريخ المملكة العربية السعودية في فترة ما قبل التاريخ، حيث إننا نعرف القليل عن هذه الفترة.
وقد وضح أن آثار أقدام الإنسان والحيوان تقدر بالمئات، وقد غطتها طبقة حجرية تعرضت للتآكل بفعل عوامل الطبيعة لتظهر واضحة للتسجيل أمام العلماء السعوديين والأجانب. واتضح أيضاً أن طبقات الأقدام هي نوع مهم من أدلة الأحافير، لأنها تعطي لمحات عن زمن محدد في الماضي، وتمكن العلماء من التعرف على أنواع الحيوانات التي كانت مستأنسة في ذلك الوقت، حيث لوحظ وجود الأفيال على وجه الخصوص، ويظهر أنها انقرضت في بلاد الشام قبل 400 ألف عام. وتشير الدراسة إلى أن وجود حيوانات ضخمة مثل الفيلة وأفراس النهر في المراعي الشاسعة وموارد المياه قد جعل من شمالي الجزيرة العربية موطناً جذباً للإنسان إبان انتقاله من أفريقيا وأوراسيا.
وقد اندهشت من وجود الحصان في تلك الفترة المبكرة من تاريخ المملكة، لأننا لم نكن نعرف الخيول في مصر إلا في نهاية الدولة الوسطى وبداية الدولة الحديثة، لأن الهكسوس الذين دخلوا مصر في نهاية الدولة الوسطى يعتقد أنهم جاءوا من هضبة الأناضول، وهم الذين جاءوا بالحصان والعجلة الحربية، وتم طردهم على يد ما أحضروه معهم.
وقد اعتقد العلماء من خلال دراسة طبقات الأقدام أنها تعود إلى فترة تعرف باسم العصر الجليدي التي تتميز بأجواء مطيرة نسبياً في أرجاء المنطقة، وهي لحظة تاريخية مهمة من عصور ما قبل التاريخ التي استطاع فيها الإنسان والحيوان آنذاك من الانتقال والانتشار من مناطق صحراوية أخرى كانت تعيقه بسبب شح الأمطار والجدب. وقد سهلت الظروف من وجود بحيرات مياه عذبة غرب النفود على سهولة الانتقال من أفريقيا إلى الشام. وهذا الكشف بلا شك يضيف ما اقترحه العلماء من قبل حول انتشار الإنسان عبر الساحل أنه مر بأراضٍ قاحلة معتمداً في شربه على مياه الساحل وما حوله، وأنه لا وجود لمصادر مياه على أي طريق مما سلكه في تنقله عبر الجزيرة العربية. وهناك أدلة أيضاً تشير إلى أن هذه الهجرات قد جاءت عبر شبه جزيرة سيناء، ثم اتجهت شرقاً نحو منطقة شرق آسيا، وأخيراً تشير الدراسة إلى أن الإنسان قد خرج من أفريقيا أثناء فترة الجليد ودخل إلى شمالي الجزيرة العربية.