توقيت القاهرة المحلي 23:03:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سرقة آثار مصر

  مصر اليوم -

سرقة آثار مصر

بقلم : زاهي حواس

المكان: منطقة سقارة الأثرية إحدى أشهر المناطق الأثرية فى العالم كله.

كان المخططون مجموعة من اللصوص المصريين وشركائهم من إنجلترا وأمريكا، شبكة لها اتصالات وتمويل ولديها مخططات. والخطة، كما ذكرت، هى حفر نفق للوصول إلى داخل المخزن، وهو عبارة عن مبنى صغير من الطوب اللبن.. يمكن، وبأقل مجهود، اختراق جدرانه. بالفعل استطاع اللصوص الدخول إلى المخزن وسرقة جميع محتوياته من الآثار، ومنها بردية اكتشفت بسقارة عن طريق إحدى البعثات الإنجليزية. بعدها استطاعوا تهريب الآثار المسروقة إلى لندن وبمجرد وصولها بدأت عملية معاينتها وتقييمها، ويبدو أنه استعصى عليهم تقييم البردية التى جاءت ضمن الآثار المسروقة من المخزن!، فما كان من اللص الإنجليزى، وبكل بجاحة وغباء، إلا أن أخذ صورة منها وذهب إلى المتحف البريطانى وطلب مقابلة فيفيان دافيز، رئيس قسم المصريات بالمتحف فى ذلك الوقت.

وبالفعل تمت المقابلة وعندما شاهد فيفيان دافيز وزملاؤه الصورة تأكدوا أنها نفس البردية التى اكتشفتها إحدى البعثات الإنجليزية فى سقارة قبل سنوات، وأن هذه البردية لابد أن تكون بمخزن سقارة!، طلبوا من اللص الإنجليزى أن يحضر البردية الأصلية لكى يستطيعوا أن يقرروا أهمية البردية وأصالتها. وفعلا حضر اللص ومعه البردية، وتم القبض عليه، وظن البعض أن القضية قد انتهت، بينما الحقيقة أنها قد بدأت حيث صمم الضابط المكلف بالتحقيق أن يصل إلى العصابة بكل أفرادها ليفتح بذلك ملف واحدة من أغرب قصص سرقات الآثار.

والآن وعن دورنا ومسؤولياتنا نحو هذه السرقة، فلابد أن نعترف ونتحمل مسؤولية هذا الإهمال الجسيم، فالحقيقة أن هؤلاء الذين تولوا مسؤولية الآثار لسنوات عديدة لم يفكر أحد منهم فى تغيير شكل هذه المخازن أو حتى جرد محتوياتها والبحث عن أفضل الطرق لصيانة وحفظ ما بها من آثار. ونحمد الله أن الوضع قد تغير تماما، ومنذ سنوات عندما توليت مسؤولية الآثار فى مصر منذ عام ٢٠٠٢ وحتى ٢٠١١. لقد تم نقل الآثار من المخازن المتهالكة إلى أخرى حديثة تتمتع بالحماية والأمن. أما عن قصة ضبط أفراد العصابة وما قام به الضابط الإنجليزى الذى استطاع أن يكشف المتورطين المصريين فى السرقة وبعضهم كان للأسف من العاملين بالآثار، وكذلك اللص الإنجليزى وآخر أمريكى يدعى فردريك شولتر الذى دخل السجن لمدة ثلاث سنوات فتلك قصة تصلح لكتابة مسلسل بوليسى شيق.

كذلك استطاع الضابط الإنجليزى أن يعيد القطع الأثرية التى هربت إلى أمريكا، وكان الفضل فى دخول اللص الأمريكى إلى السجن يعود إلى المحققة الأمريكية التى جاءت إلى مصر وتمكنت من استعمال القانون المصرى فى سجن اللص الأمريكى الذى عاونه للأسف بعض علماء الآثار الأجانب، وهؤلاء قام المجلس الأعلى للآثار بوضعهم على القائمة السوداء ومنعهم من العمل فى مصر. هذه هى القضية التى يطلق عليها العالم كله قضية الآثار الكبرى، والتى حدثت منذ أكثر من ربع قرن من الزمان.

أما القضية الثانية، التى حدثت منذ أيام قليلة، فتعود بداية أحداثها إلى سبتمبر 2002 عندما قام معيد بأحد الكليات بإبلاغ شرطة المعادى باكتشافه وجود تلفيات بالباب الخارجى لمتحف ومخزن الآثار التابع لتلك الكلية، حيث كانت الكلية تقوم بالحفائر فى منطقة المعادى التى تعود آثارها إلى العصر الحجرى الحديث حوالى 5000 سنة قبل الميلاد، وكذلك عصر ما قبل الأسرات، أى أن هذه الآثار تحكى تاريخ مصر فى أهم فترة من تاريخها وهى فترة تكوين الحضارة المصرية وعصر الأسرات. وتعالوا بنا نقرأ ما أدلى به المبلغ عن اختفاء - على حد قوله - أحجار وزلط، والغريب أن يقرر فى النيابة أن هذه القطع المفقودة لا تعتبر آثارا، وليست لها قيمة مادية، ودائما ما تستخدم كمادة علمية للدراسة فقط!!، واتهم عاملة النظافة وحارسة المتحف بالمسؤولية عن فقد الآثار. والغريب حقا أن هيئة الآثار قد تركت للجامعات المصرية التى تعمل فى الحفائر أن تحتفظ بالآثار التى يتم الكشف عنها بالإضافة إلى بناء استراحات ومخازن تتبع الكلية، ولم يكن لهيئة الآثار أن تتدخل فى هذا الموضوع، بل إن الكلية مسؤولة مسؤولية مباشرة، ولذلك كان هناك ثلاثة أساتذة يشرفون على الموقع، وكان يذهب كل واحد منهم مرة واحدة فى الأسبوع، وبالموقع يوجد دفتر زيارات يسجل فيه كل الزوّار الذين يأتون لزيارة المخزن، خاصة أن هذه الآثار فى منتهى الأهمية، لأنها تخص أهم فترة فى التاريخ المصرى القديم كما ذكرت، وقد كشفها عالم ما قبل التاريخ الراحل إبراهيم رزقانة الذى كان يعمل أستاذا بكلية الآثار، ونشر هذه المكتشفات فى أربعة أجزاء كاملة عن طريق المعهد الألمانى.

وللأسف الشديد لم تستطع الكلية أن تحرس مخزنا واحدا أو تغير هذا المخزن لكى يصبح مؤمنا بالكامل إلكترونيا، كما هو موجود بالمخازن التى بها جهاز الخدمة الوطنية للمجلس الأعلى للآثار، وهناك ما أشد فجيعة وهو سرقة متحف كلية الآثار ولا أعرف كيف سرق هذا المتحف. وقد قام المجلس الأعلى للآثار فى ذلك الوقت بإبلاغ النيابة، بالإضافة إلى أن المجلس أصدر قرارا بعدم ترك أى قطع أثرية فى مسؤولية أى جامعة مصرية، وأن كل هذه المخازن سوف تزال بعد نقل الآثار لمخازن المجلس الأعلى للآثار، والتى يوجد به أكثر من ٣٣ مخزنا على أعلى مستوى من الحماية وتقنيات الصيانة.

طلبت النيابة وقتها تشكيل لجنة من المجلس الأعلى للآثار لجرد القطع الأثرية الموجودة بالمخزن، وأشارت اللجنة إلى فقد 370 قطعة أثرية تعود لعصر ما قبل التاريخ، والغريب أن اللجنة وجدت أن سجل الجامعة به توصيف لبعض القطع المفقودة وعددها 12 قطعة، وتبين أيضا أن هناك 248 قطعة من ضمن القطع المفقودة لا يوجد لها أى توصيف بسجل الجامعة، وكذلك عدم وجود أى صور فوتوغرافية لجميع القطع الأثرية التى سرقت، وهذا بالطبع لم يعط الفرصة للمجلس الأعلى للآثار عندما قرر أن يصبح مسؤولا عن هذا المخزن، ولذلك لم يتم النشر الدولى عن القطع عن طريق الشرطة الجنائية الدولية المعروفة باسم الإنتربول، حيث- كما ذكرت- لا يوجد توصيف أو حتى صور لهذه القطع. ومن الغريب أن أغلب القطع الأثرية التى يتم ضبطها إلى وقتنا هذا بصالات العرض والمزادات، سواء فى لندن أو نيويورك وغيرها عندما يتم إيقاف البيع ونعود إلى المخازن نجد أن المسؤولين عن الآثار فى ذلك الوقت لم يقوموا بالإبلاغ عن السرقة، وذلك للخوف من العقاب، بالإضافة إلى أن أغلب المخازن المسروقة لا يوجد بها أى محاضر توثق عمليات السرقة. وقد أخبرنى أحد مديرى المناطق الأثرية بأنه أبلغ أحد المسؤولين عن الآثار عن سرقة المخزن، وتم الاتفاق على غلق المخزن وعدم الإبلاغ. وقد حدث أن أبلغنى ديتر أرنولد الألمانى الذى يعمل بمتحف المتروبوليتان أن هناك صندوقين للزينة على شكل بطة، وقد وجد أن صالة كريستى تقوم ببيعهما، وكان هو شخصيا من قام بالكشف عنها وحفظها بمخازن سقارة، وعلى الفور قمنا بإرسال خطاب للصالة وتم إيقاف البيع، لكن توجهنا إلى منطقة سقارة وتم تشكيل لجنة للبحث عن الآثار فى المخزن وكانت المفاجأة أنه لا يوجد أى إشارة لسرقة الصندوقين، هذا بالإضافة إلى سرقة 15 قطعة أثرية أخرى لم يتم الإبلاغ عنها منذ حوالى ربع قرن أيضا.

وهناك العديد من الحالات المشابهة لذلك وعدم الإبلاغ عنها يضعف حقنا فى الحصول على الآثار، ولذلك نحاول إثبات الأحقية عن طريق السجلات التى يتم تسجيل الأثر بها. ورغم ذلك فهناك بعض المتاحف التى يوجد لديها آثار مسروقة من مصر وترفض الاعتراف بهذا الموضوع، وأغرب قصة هو أننا كشفنا عن وجود قناع مطعّم من الذهب للمدعو «كا نفر»، وهذا القناع كشفه المرحوم زكريا غنيم عام 1954، وقد حدث أن نقل هذا القناع من سقارة عام 1959 إلى المتحف المصرى، وذلك لكى يسافر القناع ضمن آثار المعرض فى اليابان، وللأسف الشديد لا يوجد أى دليل لتسجيل القناع بالمتحف المصرى أو وجوده ضمن الآثار التى عرضت فى اليابان، وطال بنا البحث، ومن المحتمل أن يكون القناع قد سرق عام 1959 وهو فى طريقه من سقارة إلى المتحف المصرى، ورغم أن اتفاقية اليونسكو لا تساعدنا على عودة القناع، حيث إنها تشير إلى عودة الآثار التى سرقت بعد عام 1970، إلا أن هذا القناع يوجد لدينا دليل واضح وثابت وهو سرقته، وأنه مسجل رسميا، ورفض مدير المتحف عودة القناع إلى مصر، وهناك رجل أرمنى شهير اسمه متورط فى كل سرقات الآثار من مصر، وعليه حكم سجن جنائى 15 عاما فى قضية الآثار الكبرى، ويجب أن يستمر تعقب هذا الرجل لتنفيذ حكم السجن.

وقمنا بإبلاغ عضو الكونجرس الأمريكى التابع له مدينة سانت لويس ومتحف الفن الموجود بها هذا القناع، وقد وعد عضو الكونجرس أنه سوف يساعدنى فى عودته، وقد قمت بإرسال خطابات إلى كل المدارس والجامعات الموجودة فى سان لويس نحسها على عدم زيارة هذا المتحف ومقاطعته لأنه يحتوى على قطعة أثرية مسروقة من مصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سرقة آثار مصر سرقة آثار مصر



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon