بقلم :زاهي حواس
هناك العديد من الاكتشافات الأثرية التي حدثت بالمملكة العربية السعودية، وللأسف لم نسمع عنها ولم تأخذ حقها من الانتشار بين العامة في كل مكان بالعالم، على الرغم من أهمية هذه الاكتشافات التي تضيف الكثير من المعلومات التاريخية والأثرية إلى تاريخ الجزيرة العربية. وقد عملت بعثة سعودية - إيطالية - فرنسية مشتركة في موقع دومة الجندل بمنطقة الجوف، حيث تم الكشف عن العديد من الآثار المهمة، منها عناصر معمارية في قلعة مارد ترجع إلى الفترة النبطية الرومانية من القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي. وقد تم الكشف كذلك عن حي سكني بواحة الدومة يرجع تاريخه إلى العصر النبطي الروماني. وتم الكشف عن نظام الري في ذلك العصر وهو النظام الذي ارتبط بقنوات وأنفاق بدومة الجندل، ويعد دليلاً على عمل هندسي محكم التخطيط لاستغلال المياه التي هي شريان الحياة. كما تم العثور على الكثير من النقوش الإسلامية المبكرة، والنقوش الثمودية والنبطية في مواقع النيصة وجبل قيال.
ومن الاكتشافات المهمة أيضاً العثور على أدلة لوجود نشاط إنساني في موقع وادي السرحان إلى الجنوب الغربي من الجوف؛ يعود إلى عصور ما قبل التاريخ وتحديداً العصر الحجري الحديث والألف الرابع قبل الميلاد. وعثرت البعثة أيضاً على تسعة مدافن ركامية تقع على الحافة العليا من المنحدرات التي تطل على مسارات الطرق القديمة التي تمر بدومة الجندل. وهذه المدافن لها طرز مختلفة، منها مدافن تلية ترجع إلى العصر الحجري الحديث، ونوع ثانٍ من المدافن ذات الأضرحة وترجع أيضاً للعصر الحجري الحديث، ونوع ثالث من المدافن التي تؤرخ بالعصر الحديدي.
أما المثير في أمر المدافن التي تم الكشف عنها، فهو أنها في الحقيقة تماثل إلى حد كبير تلك المدافن التي عثر عليها من قبل في اليمن وعُمان وشرق شبه الجزيرة العربية؛ الأمر الذي يلفت الانتباه إلى أهمية طرق التجارة القديمة بين المدن والعواصم الحضارية التي ازدهرت في شبه الجزيرة العربية؛ الأمر الذي أدى إلى انتقال التأثيرات الحضارية والثقافية بين المدن المختلفة والتي حتى لم تحتك مباشرة ببعضها بعضاً ولكن جمعتهم التجارة التي نشرت التأثيرات الحضارية في تلك المدن من شبه الجزيرة العربية من العصر الحجري الحديث وحتى العصر الحديدي.
ومن خلال الاكتشافات الحديثة يمكننا أن نرى مدى انتشار الطقوس الجنائزية، وممارسة العقائد والطقوس الدينية. كما لدينا العديد من الاكتشافات المهمة، ومنها الكشف عن عملة رومانية ترجع إلى حكم الإمبراطور قسطنطين من القرن الرابع الميلادي، كذلك العديد من الرسومات الصخرية، ومنها رسم صخري يمثل أسداً، وكتابات كوفية من موقع الروضة. وكذلك العديد من القطع الفخارية مختلفة الأشكال والأحجام لتناسب الوظيفة التي صنعت من أجلها، وبعد ترميم العديد منها أصبح في الإمكان رؤية تصميم الأواني كاملة والتي تمدنا بمعلومات مهمة عن تاريخ هذه المواقع الأثرية المهمة والتي ترجع إلى عصور ضاربة في القدم؛ لذلك يجب أن تعرف هذه الاكتشافات الأثرية طريقها إلى الإعلام الأجنبي المسموع والمرئي، حتى يرى الناس في كل مكان بالعالم سحر وأسرار المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية.