بقلم : زاهي حواس
وصلنى كتاب «دندنة» من تأليف الكاتبة الصحفية سناء البيسى، وقامت دار نهضة مصر بنشر هذا الكتاب، وأقول إننى فعلا استمتعت بقراءته. هذا الكتاب يعتبر مرجعا هاما جدا لكل باحث فى مجالى الفن والموسيقى، فقد قدم لنا هذا الكتاب معلومات تثبت أن سناء البيسى هى سيدة القلم وسيدة الصحافة الأولى وكاتبة صحفية عظيمة لا مثيل لها، أى أن الصحافة المصرية لم تقدم لنا من قبل سيدة بكل هذه المواصفات. وعندما تكتب مقالا سوف نجد أنه عبارة عن تحقيق صحفى علمى ومرجع هام جدا، وقد كتبت عنى مقالا صفحة كاملة فى جريدة الأهرام، وهذا هو المقال الوحيد فى حياتى والذى قدمته لمساعدتى سارة عبدالعزيز وطلبت أن يتم وضع المقال داخل برواز ليعلق فى مكتبى فهو أهم تحقيق صحفى حدث فى حياتى ويعتبر وثيقة هامة جدا ووسامًا منها على صدرى.
«دندنة» عبارة عن قطعة موسيقية شديدة الشجن والجمال والمعلومات والأسرار. فقد أبدعت سناء البيسى فى كتابة «دندنة» لأن كل شخصية كتبت عنها بشكل موسوعى جذاب، لم تترك موقفا أو أزمة أو إشادة فى حياة كل من كتبت عنهم إلا وتجدها فى هذا الكتاب، ولا أدرى كيف استطاعت تجميع هذه المادة المدهشة من لغة وكلمات وحروف من ذهب. وأقول دائما إن الإبداع فى أى عمل يأتى من العشق ولذلك فقد عشقت سناء البيسى الصحافة والكتابة وقد دفعها هذا العشق لكى تسطر لنا فى هذا الكتاب وفى موضوعاتها الصحفية الأسبوعية كلمات تخرج من العشق إلى القلب مباشرة. ورغم عالم الإنترنت إلا أن مقالها الأسبوعى جعل كل القراء ينتظرون اليوم الذى يقرءون فيه صفحة بها معلومات قد تصل إلى وزن كتاب، هذا الكتاب مرجع يرصد الحياة الاجتماعية والفنية والسياسية فى مصر على مدى عصور مختلفة وهو أيضا كتاب توثيق لعالم الموسيقى والأصوات والأشعار فى مصر خلال القرنين الـ١٩ و٢٠.
فقد قدمت لنا ١٠ ملحنين و١٥ مطربا من عبده الحامولى مرورا بالعندليب وفريد الأطرش ونجاة وصولًا بشكوكو وشعبان عبدالرحيم. وهذا التوثيق وصل إلى دقة متناهية، هذا بالإضافة إلى معلومات جديدة نعرفها لأول مرة عن مؤلفى الأغانى الذين ذاع صيتهم فى كل مكان وغنى كلماتهم العمالقة من المطربين سواء أم كلثوم وعبدالوهاب وهؤلاء هم أحمد بك شوقى ورامى ونزار وكامل الشناوى وصلاح جاهين حتى نجم وإمام.
وقد اختارت لكل النجوم عنوانا جديدا مثيرا مثل «عبدالوهاب: النهر الخالد، ليلى مراد: الكروان، نجاة: مطرحك فى القلب، منيرة المهدية: الغندورة، وأخيرا أم كلثوم: كم أناديك. وقد استطاعت سناء البيسى أن تخلط أو تضفر السياسة بالأدب بالفن بالعلاقات الإنسانية والشغف الإنسانى وجنون الموهبة.. سناء البيسى فى هذا الكتاب عبارة عن جواهرجى يضع الكلمات بروحه ويلتقط الأحجار الكريمة ويضعها فى عنق هؤلاء العمالقة بأنامله وقلبه.
ووصفت شعبان عبدالرحيم بالمزاج الشعبى وروحه الطيبة ووجدت أنه ذكى جدا حيث يعرف الوضع السياسى ويغنى له وخاصة عندما أشهرته أغنية «أنا بكره إسرائيل». سناء البيسى تتلمذت على عمالقة الصحافة، مصطفى وعلى أمين، وعاشت فى مدرسة هيكل وتزوجت العبقرى منير كنعان، رائد من رواد الفنون التشكيلية. أبدعت وهى رئيسة تحرير مجلة نصف الدنيا، وأعتقد أنها المجلة الوحيدة التى كانت أعدادها تنفد من السوق وعملت موضوعات جبارة عن النجوم من فاتن حمامة وليلى مراد حتى دخلت أيضا فى عالم الفراعنة وأفردت موضوعا رائعا عن الملك الذهبى توت عنخ آمون، ومن الخبطات الصحفية التى ما زلنا نذكرها هى تجميع نجيب محفوظ وأحمد زويل، حاملى نوبل، على ضفاف النيل فى حوار صحفى جميل ومثير نشر فى مجلة نصف الدنيا.
وقد اتصلت بالصديقة الكاتبة زينب عبدالرازق، رئيس تحرير مجلة الديوان، لكى أعرف رأيها فى الكاتبة سناء البيسى وخاصة أنها تتلمذت على يديها وعملت صحفية فى مجلة نصف الدنيا، وقد لخصت لى سناء البيسى بكلمتين: طيبة جدا- وحازمة جدا. فكانت تأتى للمجلة الساعة التاسعة صباحا وبالتالى كان المحررون يحضرون فى الميعاد أو قبلها ولذلك استطاعت المجلة أن توزع ١٦٠ ألف نسخة، وذلك بفضل عشق سناء البيسى للمجلة ولعملها.
سناء البيسى أيضا معروفة بين الكل أنها تمتاز بالدقة والحزم فى نفس الوقت- تعلن لكل من يعمل معها أن من شروط النجاح: ممنوع الغلط، ورغم الحزم والدقة إلا أنها كانت فى منتهى الإنسانية فى نفس الوقت. كانت فى المجلة رايحة جاية شايلة الورق فى إيديها، كل عدد صدر عن نصف الدنيا كان عبارة عن تحدٍّ لأنها تريد أن تصل فى كل عدد إلى الكمال. مشوار وصل إلى أكثر من ٦٠ عاما وأعتقد أن جائزة النيل يمكن أن تتشرف بها، وأقول إن سناء البيسى دخلت قلوب كل المصريين من خلال الحب والعشق الذى أعطته لعملها؛ وبذلك رفعتها الكلمة والصحافة لتطول السحاب وتتربع على كرسى صاحبة الجلالة.