بقلم : زاهي حواس
يعدّ موقع قرية «ذات كاهل» كما عُرف قديماً أو الفاو حسب التسمية المحلية، من أهم المواقع الأثرية على مستوى الجزيرة العربية، إن لم يكن على مستوى العالم؛ لما يجسده من مثال حي للمدينة العربية قبل الإسلام بكل مقوماتها من مساكن وطرق وأسواق ومقابر وآبار. وقد قام بهذا العمل الرائع جامعة الملك سعود، حيث أثبتوا جدارة في العمل الأثري على مستوى كبير، وكان له صدى كبير في العالم كله.
تقع الفاو على بعد نحو 700 كلم جنوب غربي مدينة الرياض، ونحو 150 كلم جنوب شرقي الخماسين بوادي الدواسر، وتطل على الناحية الشمالية الغربية للربع الخالي في منطقة تقاطع وادي الدواسر بسلسلة جبال طويق عند ثغرة في الجبل يطلق عليها الفاو، وتقع على طريق التجارة القديمة المعروفة بطريق نجران - الجرهاء. ويوجد بالموقع العديد من المعالم الأثرية، حيث يحتضن عدداً وافراً من التلال الأثرية المنتشرة، بالإضافة إلى القصر والسوق.
ويوجد في الموقع أيضاً مجموعة من المجسمات البرونزية التي أعطت بُعداً حضارياً جديداً، إضافة إلى المقابر المتنوعة في أشكالها والكتابات التي وُجدت بالحرف المُسند الجنوبي. كما عُرضت قطع من الموقع في معرض رائع يُعرف باسم «روائع المملكة العربية السعودية عبر العصور» في العديد من المتاحف العالمية.
بدأ الاهتمام بالفاو كموقع أثري منذ أربعينات القرن الماضي من جانب موظفي شركة «أرامكو السعودية»، وتلا ذلك رحلات واستطلاعات علمية عدة قام بها جون فيلبي المعروف باسم «الشيخ عبد الله» وبعض علماء الآثار الأجانب. وكان ما كتبوه عنها بمثابة النواة الأولى لأعمال التنقيب عن طريق جامعة الملك سعود والتي بدأت في عام 1972.
وقد وقّعت هيئة التراث الوطني في تلك الفترة مذكرة تعاون علمي مشترك مع جامعة الملك سعود؛ وذلك لتأهيل الموقع وإعادة افتتاحه وتوسيعه لتبلغ مساحته أكثر من 16 ألف متر مربع لتحقيق مجموعة من الأهداف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ومنها تأهيل موقع الفاو ليكون معلماً تاريخياً وشاهداً حضارياً يمكن زيارته وفتح أبوابه للسياحة العالمية. وهذا ما تهتم به هيئة التراث الآن من خلال منظومة عالمية يشرف عليها وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، ومعه الدكتور جاسر الحربش رئيس هيئة التراث. وهناك اتفاق دولي على أن موقع الفاو قد يلعب دوراً اقتصادياً وثقافياً وسياحياً في منطقة الرياض، بالإضافة إلى أن جامعة الملك سعود قد قامت بعمل دورات تدريبية لطلاب الجامعة، وخاصة من دارسي الآثار حتى أصبح اسم موقع الفاو من أهم المواقع الأثرية عالمياً.