بقلم: زاهي حواس
لايزال البعض من الأصدقاء يطرحون علىّ هذا السؤال: لماذا تكتب الآن عن هؤلاء النجوم؟ وتأتى إجابتى هى أن أغلب هؤلاء النجوم نطلق عليهم النجوم المنسية، والسبب فى ذلك أنهم قدموا لمصر الكثير وبذلوا الجهد والعرق وقدم كل واحد منهم فى مجاله طفرة كبيرة، ولكن تعرض البعض منهم لعمالقة الحقد الذين ضربوهم بسهام قاتلة جعلت بعضهم يبتعد عن الحياة العامة، فتأتى تلك المقالات لكى تنصفهم وتعطيهم بعض الحق ولو عن طريق سطور بسيطة فى جريدة «المصرى اليوم». ومازلت أكرر أن على كل من مالك الجريدة المهندس صلاح دياب ورئيس مجلس الإدارة د. عبد المنعم سعيد ورئيس التحرير السيد عبداللطيف المناوى واجب تكريم هؤلاء النجوم فى حفل عام لتسليمهم وسام الامتنان.
لقد عشت حياتى أنقب عن الفراعنة وأعلن عن اكتشافات هامة فى كل مكان حتى وصلت إلى درجة العشق لهم وهذا العشق جعلنى أتحدث عنهم بإحساس كبير، بل وأحس فى كثير من الأحيان أننى أعيش فى عصر هؤلاء العظام الذين وصلوا بمصر إلى المجد، وأن اعتقادهم فى العالم الآخر والحياة بعد الموت فى جنات الإيارو هى التى أنشأت مصر، وهذا الاعتقاد جعلهم يبنون الأهرامات والمعابد والمقابر العظيمة فى كل مكان. لقد تحدثت عن نجوم هذا الزمان وكتبت عنهم الكتب والمقالات ومنهم الملك خوفو العظيم الذى ترك لنا أعظم مبنى معمارى يتحدث عنه الناس فى كل مكان، وقبله المهندس العبقرى إيمحتب الذى يعتبر أول معمارى فى التاريخ حيث ترك لنا أول عمود وأول سقف من الحجر. كما كشفت عن مومياء الملكة حتشبسوت التى سوف توضع ضمن المومياوات الملكية والتى ستعرض داخل متحف الحضارة بالفسطاط، وقمت بدراسات كثيرة حول الطفل الذهبى توت عنخ آمون والملك عظيم رمسيس الثالث آخر الملوك المحاربين، وبحثت عن مقبرة الملكة كليوباترا وحبيبها مارك أنطونى. كل هؤلاء الأموات كتبت عنهم ومن خلال كتاباتى واكتشافاتى أعدتهم مرة أخرى للحياة وجعلتهم على قرب منّا. وهنا أجد أن هناك ضرورة فى الكتابة عن الأحياء العظام المجهولين الذين قدموا لنا الكثير والكثير، وأعتقد أن هذا المقال هو أقل تكريم لهم وأنا سعيد بأننى استطعت أن أرسم الابتسامة على وجوههم.
وليد عونى
هو لبنانى الأصل لكنه حصل على الجنسية المصرية من خلال عشقه وحبه الكبير لمصر. هو بحق فنان عبقرى يستطيع أن يوظف أدوات المسرح ليقدم لنا عروضاً رائعة أبهرت المصريين. وكان هناك بعض من أعداء النجاح يتهمون فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق بأنه يجامل وليد عونى فيعطى له شارة العمل فى أغلب عروض الوزارة التى كانت تقام على مسرح دار الأوبرا ويحضرها الرئيس الأسبق وحرمه. وقد يكون هؤلاء الحاقدون غير ملمين بفكر عونى ولم يفهموا معنى هذه العروض لأن وليد عونى فلسفى الفكر لا يعرض هذه الفنون لمجرد المتعة فقط، لكن لديه عدة أفكار يرسمها ليقدم لنا عروضاً قوية ومبهرة جعلت العديد من المصريين ولأول مرة يتهافتون على دخول الأوبرا لمشاهدة عروض هذا العبقرى. وقد شاهدت له الشهر الماضى عرضاً تاريخياً مبهراً بعنوان إخناتون، حيث حاول أن يدافع عن تاريخنا وحضارتنا من خلال العرض فى مقابل البعض الذين يحاولون هدم هذه الحضارة، فقام عونى بوضع تلك الشخصيات داخل العرض المسرحى الراقص وهم يرتدون السواد فى رمزية أن قلوبهم مليئة بالحقد ليس على مصر فقط ولكن على حضارتها المزدهرة، وقد وجدناهم فى النهاية يحاولون تدمير تل العمارنة وهدم معبد آتون.
استطاع عونى أن يظهر لنا البيئة الفرعونية من خلال قصة هذا الملك العظيم الذى آمن بفكرة التوحيد وإعلان وجود معبود قوى هو آتون وأظهر لنا الملكة نفرتيتى وهى تقف وراء زوجها لتدعمه. قدم هذا العرض فنانون من فرقة المسرح الحديث فى حين أن الديكور والملابس من تنفيذ هذا الرجل العبقرى. وكان أكبر تكريم لوليد عونى هو أنه بعد انتهاء العرض عندما دخل المسرح وجد الجمهور واقفاً يصفق لهذا الفنان الفذ الذى صور لنا مصر القديمة فى صورة ملك يعرفه الجميع، وكشف لنا أن الجمهور المصرى فى شوق لكى يرى عظمة هؤلاء القدماء الكبار. لقد عرفت قيمة وليد عونى من خلال دعوة المخرج الإيطالى الذى يقوم حالياً بإخراج أوبرا توت عنخ آمون حيث قرر الاعتماد على عونى فى تنفيذ الملابس والديكورات.
وليد عونى شرب من ماء النيل وتمصر فأصبح فناناً لبنانياً بروح مصرية ودخل قلوب الجميع..
بهاء جاهين
شاعر كبير تميز فى نظم الأشعار بالعامية ورغم تجربته لدراسة اللغة الانجليزية إلا أنه تربع على عرش الشعر العامى بعد والده العظيم الراحل صلاح جاهين، لذلك لم نشعر بالفراغ بعد رحيل هذا العملاق الكبير لأنه أورث ابنه موهبته التى أحبها كل المصريين.
تخرج بهاء فى كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية وحصل على الماجستير فى الأدب الإنجليزى والأدب المقارن من الجامعة الأمريكية، وسافر إلى أمريكا لاستكمال الأبحاث فى هذا المجال، ومع ذلك نجد تحولاً من الأدب الإنجليزى إلى العامية المصرية فى الشعر. وقد تعرفت على هذا العبقرى فى منزل الموسيقار العظيم محمد نوح. وقد كان من آمال المخرج الكبير هانى لاشين أن يخرج فيلماً عن الملك خوفو مستوحى من قصة أديب نوبل نجيب محفوظ بعنوان عبث الأقدار. واتفق لاشين معى على أن أساعده فى اختيار الملابس والديكور، لذلك كنا نجتمع يومياً فى منزل الراحل محمد نوح بمصر الجديدة. وقام حينها بهاء بكتابة الأشعار ولحنها محمد نوح. ولن أنسى كلمات بهاء العظيمة عن غناء المصريين بعد الانتهاء من بناء الهرم الأكبر، وقد كشفت أدلة على أحجار من أبى صير تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا يقيمون بعد بناء الهرم احتفالاً عظيماً يحضره الملك نفسه والوزراء وعامة الشعب. وكانت كلمات بدايات شعر بهاء جاهين حول بناء الهرم كالآتى: «قولنا حنبنى وأدينا بنينا الهرم العالى». ولكن للأسف الشديد وجد لاشين أن إنتاج هذا الفيلم يجب أن تتبناه الدولة ولكن لم يهتم أحد بإخراج هذا الفيلم العظيم.
يكتب جاهين مقالاً أسبوعياً فى جريدة الأهرام، كما ألف العديد من الدواوين منها الرقص فى زحمة المرور والقميص المسكون، وكتب العديد من أغانى الأفلام منها سمع هس، وقد اختاره المخرج العظيم شريف عرفة لكتابة أغانى فيلم يا مهلبية، يا وكذلك مسرحيات خشب الورد وشارع محمد على وعطوة أبومطوة، وأغانى مسلسلات ومنها بوجى وطمطم وفوازير الحلو مايكملش وجيران الهنا. قال عن أبيه إن العلاقة بينهما كانت علاقة صديق أكثر منها علاقة أب بابنه وطبّق المثل القائل: «إن كبر ابنك خاويه» وكان يحكى لبهاء عن أسراره ويقول إن لوالده طفولة وبراءة. ورغم شهرته الواسعة إلا أنه قليل الظهور فى الإعلام رغم أنه قضى حياته لإسعاد الناس من خلال الأشعار والأغانى وكلمات أغانى الأفلام والمسلسلات حتى إنك تجد الكبار والأطفال يتغنون بها.
بهاء جاهين شاعر محترم مبدع حقيقى يستحق منّا وسام الامتنان.