بقلم : زاهي حواس
وصل إلينا نص من العصر الفرعوني يشير إلى حديث بين اثنين من الموظفين في الحكومة الفرعونية. الموظف يسأل زميله الذي فُصل من العمل وطلب منه أن يخبره عن سبب الفصل، وقال الموظف الثاني: «إنني أطلقت نكتة خارجة وقد سمعها رئيسي فأمر بفصلي من الخدمة». وما زلنا نوضح أن فن الكاريكاتير في العصر الفرعوني كان سياسياً بالدرجة الأولى، وهذا يشير إلى أن المجتمع كان محكوماً من الناحية الدينية بحيث يعمل الجميع من أجل أن يصبح الملك إلهاً في العالم الآخر، لذلك فقد شاركوا في بناء الأهرامات والمعابد ولم يكن من حق الفنان أن يعبر عن نفسه أو حتى يوقع أسفل المناظر التي يرسمها، لذلك فقد كان يغلق على نفسه استوديو الرسم وينفس عن نفسه من خلال الكاريكاتير، ولذلك سوف نجد عندما أراد الفنان المصري القديم أن ينتقد بعض الأوضاع الخاطئة في المجتمع، ومنها أن أمور البلاد وشؤونها أصبح يتولاها من هو غير أمين عليها، ولذلك نرى الفنان يصور لنا قطيعاً من الإوز يقوم على رعيه ثلاث من القطط وراح أحدها يستلذ بالتهام إوزة من القطيع وآخر راح يلهو بطعام وشراب القطيع بينما القط الآخر، وهو كما يبدو كبير الرعاة، يسير بهدوء خلف الإوز ينظر له بعينين شرهتين وفم قد سال لعابه على الإوز.
وفي منظر كاريكاتيري آخر مشابه يصور القط يسير خلفه مجموعة من الإوز يرعاها وقد أمسك بإوزة يستعد لالتهامها.
ومنظر كاريكاتيري آخر يصور الفنان قطيعاً من الكباش يرعاه اثنان من الذئاب. سار أحدهما أمام القطيع والآخر يسير خلف القطيع، وقد حمل على كتفه عصا مثلما يفعل الرعاة ويعزف ألحاناً على ناي ينفخ فيه ربما كعادة الرعاة أيضاً.
وفنان آخر يبدو أنه قد حضر حفلاً موسيقياً واستمع إلى عزف الفرقة التي لم تعجبه فصور بريشته منظراً فيه حمار وأسد وهما يغنيان على أنغام يعزفها الحمار على (الحنك) والأسد على القيثارة بينما يعزف تمساح على العود وينفخ القرد في مزمار، وبهذا استطاع الفنان أن يسخر من الفرقة الموسيقية ويعبر عن نشاز أنغامها وقبح أصوات مغنييها بأن صورهم حيوانات.
وبالطريقة الرمزية ذاتها في التعبير يعبر فنان عن تغير العادات في مجتمعه فيصور حيواناً يشبه فرس النهر وقد تسلق شجرة ليسطو على عش طائر، بينما نرى صاحب العش على غير عادة الطيور يرتقي سلماً ليصل إلى عشه لكي يدافع عن نفسه بينما كان الأولى به أن يُحلق في السماء ويهوي على عدوه بكل قوته مدافعاً عن مكانه وفي الوقت ذاته كان الأجدر بالحيوان أن يبتغي منزلاً له على الأرض كطبيعة أقرانه ولا يطمع في عش طائر على شجرة، إلا أن الفنان أراد بهذه الطريقة الهزلية الطريفة التعبير عن أن المجتمع قد تخلى عن عاداته وطباعه، ولذا أصبح أفراده يفعلون ما لا يتوافق مع طبيعتهم.