بقلم : زاهي حواس
دعانى د. أشرف صحبى، وزير الشباب والرياضة، المحترم والنشيط، إلى لقاء مع مجموعة من الشباب بمبنى الوزارة. وسألنى شاب أثناء خروجى عن نصيحة فقلت: «إذا انتقدك جاهل لا ترد عليه؛ لأنه يفتقد العلم ويتحدث عن موضوعات لا يفهمها؛ ولذلك اتركه لجهله، أما العالم إذا نقدك فهو يقرأ ويعرف الصواب من الخطأ؛ لذلك أنصت إليه واحترمه».
وأعود إلى وسام الامتنان، وأقول إن موضوع هذه المقالات بدأ من خلال دعابة بينى وبين صديقى المهندس صلاح دياب. وكنا نود أن نرثى بعضنا البعض ونحن أحياء؛ لذلك كتبت المقالات بعنوان «أرثيهم أحياء». وبعد ذلك، وجدت أن هناك ضرورة فى تغيير العنوان. وفكرت فى أن يكون «وسام الاحترام»، ووجدت أن الكاتب الكبير محمد عبد المنعم استعمل هذا العنوان، وكذلك صديقى الكاتب مفيد فوزى؛ وقد اقترح السيد عمرو موسى عنوان «نيشان الامتنان»، ولكن قد تكون كلمة «نيشان» غير عربية؛ لذلك اتفقنا أن يكون العنوان هو «وسام الامتنان». وهنا أود أن أعترف بأننى قررت أن أبتعد عن أى رأى شخصى لى عن هؤلاء المكرمين، وأن أكون موضوعيًا. وفى نفس الموقف أقر بأننى لست قاضيًا كى أحكم على بعض الأشخاص الذين لهم بعض المخالفات أو المحاكمات، وهذا من شأن القضاء، ولكنى هنا أتحدث عما تركه لنا من إنجازات ملموسة نراها أمامنا. وقد يكون البعض نسى هذه الإنجازات لما حدث من تشويه خلال أحداث 2011، ولكن الواجب هنا أن نقول لهذا الشخص رأى الناس، وهو أنهم لم ينسوا ما قدمه لهذا البلد العظيم، أما إذا كانت هناك أخطاء، فهذا ليس من اختصاصنا. وهنا نقول له: «شكرًا على ما قدمته لمصر». وهناك البعض الذى كرمته الدولة من قبل، ولكن هناك الكثيرين الذين لم يكرموا؛ لذلك نقدم لهم «وسام الامتنان».
محمد سلماوى:
من أهم إنجازاته فى رأيى هو تأليف رواية «أجنحة الفراشة»، وقد نُشرت قبل أحداث يناير2011 بعدة شهور، ولم تُنشر فى مصر، وإنما فى الخليج. وسبب أهمية هذه الرواية هو التنبؤ بما سوف يحدث فى مصر من مظاهرات ومطالبات بتغيير نظام الحكم، وما سوف يحدث للشرطة. وقد وجدت أن أغلب كتابنا الكبار أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعى وغيرهما كانوا يكتبون عن الحارة المصرية والحب، ولكنى لم أر كاتبًا يحدثنى عن المستقبل الذى لن تصدقه وأنت تقرأ هذه الرواية، غير أن المفاجأة أن كل ما كتبه سلماوى حدث أمامنا كحقيقة. وهناك كاتب مصرى واحد لا يعرفه أحد، وقد ترك لنا قصيدة يتنبأ فيها بالمستقبل، وهو الحكيم المصرى القديم، «إيبوور»، الذى تنبأ بما سوف يحدث فى مصر عندما نصح الملك وقال له: «إن هناك فسادًا»، وللأسف لم يسمع له الملك؛ لذلك قامت أول ثورة اجتماعية فى التاريخ منذ أكثر من أربعة آلاف عام. وهنا نشهد لسلماوى بالبراعة والصدق والإحساس عندما تنبأ بما سوف يحدث فى المستقبل، ولم يصدقه أحد. وتعلم محمد سلماوى فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وحصل على دبلوم فى مسرح شكسبير من جامعة أوكسفورد وماجستير من الجامعة الأمريكية فى القاهرة. ومن أهم إنجازاته إصدار صحيفة «الأهرام إبدو» بالفرنسية التى عمل رئيس تحرير لها لمدة 16 عامًا. واستطاع أن يغزو قلوب المتحدثين بالفرنسية لتعيش مصر بحضارتها داخل هذه الشعوب. وساهم أيضًا فى إصدار «الأهرام ويكلى». وأصدر سيرته الذاتية تحت عنوان غريب وجميل «يومًا أو بعض يوم». ومن أهم أقواله: «إن المثقف لا يجب أن ينعزل عن قضايا وطنه السياسية أو الثقافية». ودفع ثمن هذه المقولة بأن اُعتقل عام 1977، وفُصل من عمله الصحفى أكثر من مرة. وحصل على العديد من الأوسمة من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا. وأصدر 8 روايات والعديد من المسرحيات، أهمها فى رأيى هى «سالومى». وقد شاهدتها على مسرح جديد بالمانسترلى، وأعتقد أنها من أهم أدوار الفنانة رغدة. صادق أديب نوبل نجيب محفوظ الذى اختاره كممثل شخصى له عندما تسلم جائزة نوبل. وشارك فى كتابة الدستور. محمد سلماوى شخص مثقف على مستوى عالٍ ومتحدث لبق ويعرف الطريق إلى النجاح. وقد ترك لنا ثروة أدبية جعلته فى مقدمة المثقفين؛ لذا أقدم له وسام الامتنان.
منير نعمة الله:
قد لا يعرفه الكثيرون من المصريين، ولكنه معروف عالميًا؛ وذلك لاهتمامه بشؤون البيئة، خاصة واحة الجنة سيوة. وقد أطلقت عليه «لورد الواحة الجميلة». وسوف أقص عليكم قصة تظهر اهتمام العالم بما يقوله د. منير نعمة الله. نظمت ناشيونال جيوجرافيك فى واشنطن دى سى مؤتمرًا عن مصر، وحاضر فيه العديد من العلماء. وقد تصادف أن كان د. منير أول المتحدثين. وقد قدمه متحدث المؤتمر بأنه من أهم المهتمين بالبيئة، وأن أبحاثه عن سيوة تشير إلى ضرورة الاهتمام بهذه الواحة التى تعتبر جنة الله فى الأرض. وقد أعطاها هذا الرجل عمره وحياته وأبحاثه؛ ولذلك استطاع أن يدعو الملوك والملكات والأمراء لقضاء رأس السنة بسيوة، وهم يذهبون هناك؛ لأن منير استطاع أن يجعل سيوة واحة حافظ فيها على التراث السيوى، واستطاعت أخته ليلى أن تجمع فتيات المدينة كى يستمررن فى إنتاج التراث السيوى، ومن خلال ذلك تدر لهم دخلاً ثابتًا. بالإضافة إلى أن أهم إنجازاته هو الحفاظ على التراث السيوى فى أن يُباع فى أوروبا وأمريكا؛ لذلك وقف ضد بعض الذين عاشوا فى سيوة كى يجردوها من عبقريتها الفنية، وكان منهم بعض الأجانب. ومن أهم إنجازاته هو الحفاظ على منازل «شالى» التى تعتبر من معالم سيوة؛ فقد استطاع أن يجعل العالم كله يهتم بهذه المنطقة وتتم أعمال الترميم هناك بحيث يستمر هذا التراث دون تغير. ولذلك أصبح منير نعمة الله من حراس تراث سيوة. وسوف نحتفل قريبًا بأعمال الترميم التى تحدث فى شالى، وأصبحت لؤلؤة مضاءة فى قلب الواحة. وأنشأ أول فندق بدائى بيئى دون أى حياة مدنية أو كهرباء؛ لذلك جعل المشاهير تترك الدنيا لتعيش فى هذا المكان. ويقول فى فلسفته: «لا شىء يضاهى الاستثمار فى المواطن ولا عائد يوازى عائد تنمية السكان». وكان أول من عمل فى تقويم العشوائيات فى منشية ناصر والزبالين. ويقلقه جفاف عيون المياه الطبيعية فى سيوة وارتفاع ملوحتها. وحذر من الاستثمار فى حفر عيون المياه الطبيعية. ويراهن على الاستثمار فى تطوير البشر. واعتبر سيوة زوجته وعشيقته وأعطى لها عمره. شخص وصل للعالمية لاهتمامه بأجمل واحة مصرية. ودخل قلوب أهل سيوة؛ ولذلك نقدم له وسام الامتنان.
سناء البيسى:
عندما تكتب تحس بأنها تخرج لنا الكلمات بموسيقى وشجن وتجعلك تقرأ كلماتها وكأنك تستمع لمقطوعة موسيقية يعزفها بيتهوفن. وتعتبر الكاتبة الوحيدة التى تكتب صفحة كاملة وتقرأ بالكامل؛ لأنها تقدم لنا دراسات عبقرية سواء عن الأشخاص أو الأماكن. وتقوم بعمل دراسات وأبحاث حتى تصل إلى أعماق الشخص وتقدمه للقراء بمستوى راقٍ من الفكر والعظمة. وقد غزت سناء البيسى قلوب الصحفيين الشباب؛ لأنها مدرسة تعطى الحب والعشق. وهى وديعة للغاية، غير أن هذه الوداعة تتحول إلى قوة عندما ترى أى خطأ حدث من بعض تلاميذها. وقدمت لنا مجلة «نصف الدنيا» التى بلغت مبيعاتها 160 ألف نسخة. وجعلت محرريها ينافسون فى ابتكار موضوعات مثيرة. وحدث فى عهدها خبطات صحفية غير مسبوقة. وقالت لى إحدى تلميذاتها إنها كانت تأتى قبل المحررين؛ لذا كان المحررون يتسابقون كى يأتوا قبلها. وقال الكاتب الكبير صلاح منتصر: «إن سناء البيسى مدرسة صحفية علّمت العديد من الصحفيين، ونالت حبهم، وعشقت الصحافة، وأعطتها صاحبة الجلالة حب الناس، وأصبحت حتحور الصحافة المصرية». وكانت الإلهة حتحور إلهة الحب والجمال عند الفراعنة. كانت تلميذة للعديد من نوابغ الصحافة وتعلمت من مدرسة مصطفى وعلى أمين وهيكل. وتعتبر مقالاتها فى الأهرام رسالة دكتوراة مختصرة. كتبت عنى، فقمت بعمل برواز ووضعته فى مكتبى. ويعتبر أهم ما أعتز به فى حياتى. عرفت أن النجاح يأتى عبر اختيار النوابغ والأقوياء من المحررين؛ ولذلك تربعت بهم على عرش صاحبة الجلالة. لها العديد من الإصدارات والكتب، كان آخرها «دندنة»، قطعة موسيقية شديدة الشجن والجمال. وقد قابلتها آخر مرة ونحن نحتفل بنجاح مجلة «الديوان» والتى ترأس تحريرها زينب عبد الرزاق، إحدى تلميذات سناء البيسى. وقد رأيت علامات السعادة على وجهها وهى تشاهد نجاح تلميذتها. سناء البيسى إنسانة طيبة جدًا، وحازمة للغاية. وقد رفعتها الصحافة وروعة الكلمة إلى عنان السحاب كى تتربع على عرش صاحبة الجلالة. مرة ثانية حتحور الصحافة المصرية نقدم لها وسام الامتنان.