بقلم : زاهي حواس
أكتب دائما عن الكنوز المصرية وخاصة الاكتشافات الأثرية، وعن فراعنة مصر العظام مثل الملك خوفو والملك تحتمس الثالث وإخناتون، وعن العامة من المهندسين مثل إيمحوتب وعنخ- خاف وسنموت، والكتاب العظام مثل بتاح- حوتب وآنى. وقد وجدت أن لدينا فى مصر أشخاصا يمكن أن نطلق عليهم كنوزا وطنية مصرية وقد لا نحس بهم لأنهم يمهدون لنا طريق العلم والمعرفة وأحدهم هو الدكتور مصطفى الفقى.
لا أعتقد أننى قابلت فى حياتى شخصية ذات كاريزما عالية بهذا الشكل، فهو موسوعة علمية على مستوى عال سواء فى الحديث عن الشؤون العربية أو السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد لاحظنا أنا وعمرو موسى أن مصطفى الفقى يمكن أن يحكى قصة حدثت وبعد ذلك يمكن أن تسمع منه هذه القصة مائة مرة، ولكنه يستطيع أن يجعلك تذهب إلى هذه الحكاية كأنك تسمعها لأول مرة. مصطفى الفقى متحدث لبق وحديثه مع الإذاعى اللامع شريف عامر فى برنامجه تناول العديد من القضايا الداخلية والعربية والدولية مثل موضوع سد النهضة والعلاقات المصرية السودانية والوضع العربى الداخلى بالإضافة إلى تناوله موضوعات داخلية مثيرة، وبعد البرنامج تصدر الصحف العديد من العناوين الهامة لأحداث الساعة وخاصة لأنه يثير العديد من القضايا الهامة وقد وصل عدد حلقات القضايا إلى مائة حلقة حتى الآن. وقد تخرج مصطفى الفقى عام 1966 من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعمل دبلوماسيا فى العديد من سفارات مصر بالخارج مثل لندن والهند، ثم عمل فى مكتب أسامة الباز وبطرس غالى، وبعد ذلك عين سفيرا لمصر فى النمسا ومندوبا لمصر لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسفيرا غير مقيم بثلاث دول مجاورة لفيينا، وبعد ذلك مساعدا أول لوزير الخارجية وعين رئيس العلاقات الخارجية بمجلس الشعب.
ولكن أهم المناصب التى تولاها كان منصب سكرتير الرئيس مبارك للمعلومات ولذلك كان مصدرا هاما للرئيس للمعلومات السياسية، وأصبح قريبا جدا من صانع القرار لذلك فقد عرف العديد من قضايا الوطن وخاصة لأنه تجول مع الرئيس فى أغلب مدن العالم. وفى جلساته الخاصة تسمع العديد من المداعبات تحدث بينه وبين السيد الرئيس. وهو من أهم أصدقاء عمرو موسى حتى إن أى جلسة تجد عمرو موسى يسأل «أين مصطفى الفقى؟»، ورغم ذلك دائما يضحك مصطفى ويشير إلى أن عمرو موسى وقف ضده فى العديد من المناصب التى ترشح لها، وبعد ذلك يقول الفقى إن عمرو موسى آهم وزير أو دبلوماسى تولى وزارة الخارجية. وقد استطاع أن يساهم فى تدريب العديد من الدبلوماسيين الشباب عندما كان مديرا لمعهد الدراسات الدبلوماسية، وقد كتب الفقى ما يقرب من 38 كتابا نشرت بالعربية وباللغات المختلفة. وهذه الكتب تتناول العلاقات الدولية والشرق الأوسط وسياسات مصر الحديثة.
وقد عرفت مصطفى الفقى لأول مرة حوالى عام 1973 عندما دعوت الدكتور محمد نور الدين عميد طب الأزهر على الغداء فى استراحة الآثار بسقارة وأحضر معه هذا الشاب النابغ الدبلوماسى مصطفى الفقى. ومنذ تلك اللحظة أصبحنا لا نفترق وأنا شخصيا لا أستطيع أن أذهب إلى أى دعوة دون وجوده حتى إننا أصبحنا توأمين من الحب والصداقة ونتحدث تليفونيا على الأقل مرتين يوميا وهو يعرف فرحى وآلامى ولذلك أصبحنا مثل الأخوين.
وهو يقص علينا دائما قصة عندما قام أنس الفقى وزير الإعلام بدعوتنا إلى لقاء تليفزيونى رمضانى يحدث فيه دائما شجار بين الضيفين ونظرا لأنه تحدث مشاغبات ومداعبات بينى وبين الفقى بصفة دائمة فقد اعتقد أنس الفقى أن هذا اللقاء سوف يكون لقاء رمضانيا جميلا ولكن قبل أن ندخل البرنامج اتفقنا على أن ننادى بعضنا البعض بحضرتك وسيادتك.
وقد كتب الفقى رسالة الدكتوراه عن أقباط مصر وأصبح من المدافعين عن الأقباط وقد كان يطلبنى دائما لإنهاء العديد من القضايا التى تخص ترميم الكنائس المصرية، وفى افتتاح المعبد اليهودى بالإسكندرية تحدث عن تاريخ اليهود فى مصر وكيف أن هناك يهوديا مصريا قد اشترك فى كتابة الدستور وأن الوزارة كان فيها يهودى مصرى.
يحدث فى جلساتنا أن يجعلنا نعتقد أنه يغفو ولكن عندما يسمع موضوعا يطلب التعليق عليه نجده ينطلق فى الإجابة السريعة الدقيقة. وأعطاه الله سبحانه وتعالى ذاكرة حديدية، فهو لا يسجل تليفون أى أحد ولكنه يحفظ جميع تليفونات أصدقائه، وهو خدوم بشكل غير عادى ودائما يقف فى صف الضعيف ويخدم الفقراء ويقف مع صديقه فى وقت الشدة، وقد وقف معى فى شدتى أثناء هجوم اللصوص علىّ فى يناير 2011 وكان يدافع عنى فى كل مكان. لذلك أقول إن مصطفى الفقى كنز قومى يجب الحفاظ عليه. أما كيفية الحفاظ على هذا الكنز فقد يتطلب أن يذهب إلى النادى يوميا لمزاولة رياضة المشى، وقد اتصلت بصديقى صلاح دياب وقلت له إننى أخاف على مصطفى وسألته بالنص: «كيف نحافظ على هذا الكنز الذى لن يتكرر؟»، وقال صلاح: «مطلوب لمصطفى الفقى شىء مهم جدا حتى نحافظ على هذا الكنز وللأسف لا يستطيع تحقيقه غير مصطفى وهو أن يهتم كثيرا بصحته ويراعى وزنه حتى يطول استمتاعنا به مع باقى المصريين». وهنا السؤال: هل يسمع مصطفى الفقى لهذه النصيحة؟