استطاع المهندس العبقرى إيمحوتب أن يترك لنا معجزة معمارية مازال العالم يتحدث عنها، رغم أن هذه المعجزة حدثت منذ حوالى خمسة آلاف عام. قدم لنا أول سقف وأول عمود من الحجر. استطاع إيمحوتب أن يصل إلى عقل وقلب الملك زوسر لذلك وضع الملك اسمه على قاعدة أحد تماثيله. وقد كان المصريون القدماء يتلون اسمه قبل أن يكتبوا كلمة واحدة على قرطاس البردى، فقد كان بالنسبة لهم إله المثقفين. وقد شبهه اليونانيون بالإله اسكليبيوس إله الطب. بنى إيمحوتب الهرم المدرج من ست طبقات واستطاع أن يبنى شبكة من السراديب أسفل الهرم فى أربعة طوابق لو قمنا بتحليلها عبر الكمبيوتر لوصل طولها إلى حوالى خمسة كليومترات.
ننتقل إلى مهندس آخر وهو «حم إيونو» ومن بعده المهندس «عنخ خاف» وهما اللذان توليا بناء هرم الملك خوفو الذى يتعجب به العامة فى كل مكان فى العالم، وبعد ذلك قام عنخ خاف ببناء هرم خفرع. ولم يصدق أحد أن هذا الهرم من بناء المصريين القدماء، لذلك بدأوا ينشرون حكايات وقصصا عن أن هذا الهرم بناه قوم جاءوا من الفضاء آخرهم ذلك المليونير «إيلون ماسك». ولكن بناء الهرم كان المشروع القومى لكل المصريين، حيث اشتركت فيه العائلات الكبيرة فى الصعيد والدلتا لبنائه، فكانوا يرسلون العمال والأكل والأبقار والماعز لإعاشة العمال وفى المقابل كانوا يعفون من الضرائب. وكشفنا عن القرى التى كان يعيش فيها العمال المؤقتين وأخرى للعمال الدائمين ومناطق المخابز وتجفيف السمك. وقد وصل ارتفاع هذا الهرم المهيب إلى 146م، واستطعنا أن نكشف عن كل الطرق العلمية لبناء هذا الهرم ونشرنا كل هذه الأدلة فى كتاب بالإنجليزية مؤخراً، وقد اكتشفنا ما بداخل الهرم عندما أرسلنا الإنسان الآلى عن ثلاثة أبواب صغيرة بكل منها مقابض من النحاس، والعالم مازال فى حيرة عما تخفيه هذه الأبواب.
ونأتى للعبقرى سنموت الذى عشق الملكة حتشبسوت واستطاع أن يبنى لملكته أعظم معبد فى حضن الجبل من طوابق والذى يعتبر بحق تحفة معمارية فى غرب الأقصر. هؤلاء الرجال العظام مازال أحفادهم يبدعون لذلك اخترت المهندس حسب الله الكفراوى ومعه عبقرى العمارة والـlandscape شهاب مظهر لكى أقدمهما لكم ونقلدهما وسام الامتنان لأعمالهما العظيمة التى نشاهدها فى كل مكان.
- حسب الله الكفراوى
أطلق عليه لقب أبوالمدن الجديدة، فقد أنشأ حوالى 17 مدينة جديدة، منها مدينة 6 أكتوبر ودمياط الجديدة و15 مايو، وأطلق عليه صديقى الدمياطى الكاتب الكبير عباس الطرابيلى اسم شيخ التعمير.
عمل محافظاً لدمياط ثم وزيراً للإسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية، وظل فى الوزارة لمدة 16 عاماً. ولد فى قرية كفر سليمان مركز كفر سعد ويفصل بين قريتى العبيدية وكفر سليمان نهر النيل فقط. وكانت له شعبية كبيرة بين المهندسين الذين انتخبوه نقيباً لهم عام 1991. وسترى إنجازات هذا الرجل فى كل مكان، حيث رصف الطريق الساحلى الدولى واستصلاح نحو 650 فدانا من الأراضى البور. كما خاض العديد من المعارك، منها ضد تجار سوق روض الفرج عندما قرر أن ينشئ سوق العبور وواجه أيضاً معركة شرسة عندما قرر أن ينشئ ميناء دمياط وهوجم بضراوة لأن ميناء بورسعيد يبعد عن دمياط بـ50 كم فقط.
تولى د. محمد إبراهيم سليمان الوزارة بعده وسار على دربه، وقد اتصل به لكى يعرض عليه فيلا بالساحل الشمالى وهو الذى بنى قرية مراقيا ولم يحصل لنفسه على أى مبنى، ولم يطلب فيلا ولكن حصل على المكتب الذى أدار منه بناء مراقيا، وطلب منه د. محمد إبراهيم سليمان أن يشرفه فى الوزارة، وقوبل بحفاوة من كل العاملين حتى وصل إلى مكتب الوزير وسلمه درع الوزارة وهذه قصة لم تحدث مع أى وزير من قبل. حدثت معركة بينه وبين الفنان أحمد مظهر بسبب شجرة نادرة وذهب إليه الكفراوى ليقول له إن قلع هذه الشجرة سوف يفيد فى المقابل ملايين من البشر، ولكن الشجرة يمكن نقلها بعد ذلك. وفى حوار مع مفيد فوزى قال أنا وزير مجرد خدام للبلد ولذلك أتخذ القرار الصعب على أرض صلبة. صرامته المتناهية سببت له العديد من المشاكل، لأنه بعد أن خرج من الوزارة كان ينتقد العديد من المشروعات.
حصل الكفراوى على العديد من الأوسمة من الاتحاد السوفيتى وفرنسا، وهذا الرجل العظيم صعب أن يتكرر فقد كان بلدوزر التعمير وهو الوزير الوحيد الذى خرج من الوزارة وودعه كل العاملين. حسب الله الكفراوى رجل نظيف اليد والذمة والضمير لذلك احترمه كل المصريين ومازالوا يتحدثون عن إنجازاته وصرامته وحبه لهذا البلد العظيم.
- د. شهاب مظهر
أعتقد أنه من القلائل الذين لا يضعون لقب دكتور قبل أسمائهم، لأنه استطاع أن يجعل اسمه وحده نجماً فى سماء عالم العمارة واللاند سكيب landscape. منذ أن تخرج من كلية الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة وكان ترتيبه الثانى على الدفعة عُين معيداً واستمر فى العمل الجامعى لمدة 10 سنوات وبعد ذلك أراد أن يخرج إلى عالم الإبداع والفن، لذلك قدم شهاب مظهر استقالته من الجامعة ليفتح مكتبا استشاريا. له العديد من الأعمال الفذة التى اقترنت باسمه، فقد كلفه د. مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء- وهو مهندس على مستو عال- بتنفيذ مشروع تطوير ميدان التحرير، هذا الميدان ذو التاريخ منذ أن شهد أحداث 30 يونيو العظيمة، فهو ليس ميدانا واحدا بل يشمل عدة ميادين، بالإضافة إلى وجود عدة مناطق هامة بالميدان ومنها جامع عمر مكرم والمتحف المصرى والمجمع وجراج التحرير ومبنى وزارة الخارجية.
استطاع شهاب مظهر أن يجعل ميدان التحرير رمزاً من العصر الفرعونى وحتى الآن. فقد كنت قبل أن أشاهد هذا العمل الجبار أتمنى أن نقيم مسابقة لتطوير الميدان ولكنه استطاع أن يضع لمسات سحرية به جعلته أجمل من أى ميدان فى أى عاصمة بالعالم، فزينه بمسلة الملك رمسيس الثانى والتى تبلغ نحو 19م طولاً. حينها قلت لصديقى الدكتور خالد العنانى إن السائح سوف يحضر لزيارة المتحف المصرى وفى نفس الوقت سوف يقف أمام المسلة ويستمع إلى تاريخ هذا الميدان العريق.
شهاب مظهر هو ابن الفنان الراحل أحمد مظهر، وقد ورث عن أبيه حبه للنباتات، ولذلك أصبح صاحب فكرة معايشة المهندس شهاب وهى واحدة من أكبر الأماكن فى مصر التى تضم أكبر عدد من النباتات المجففة. وأعتقد أن منزله سيكون مزاراً سياحياً، لأنه استطاع مع زوحته المهندسة أيضاً أن يبنيا منزلاً كان بالنسبة لهما حلماً، فقد استغرق بناؤه نحو العامين وهو يخضع لطراز البحر المتوسط ويتكون من طابق واحد وسط حديقة ذات أزهار ونباتات مذهلة. قرر شهاب مظهر أن يحول المنزل الكلاسيك إلى منزل مودرن واستطاع أن يدمج الحاضر بفكره وعاش معه والده الفنان أحمد مظهر الذى غضب وثار عندما قررت الدولة أن تزيل شجرة من منزله.
شهاب مظهر عبقرى العمارة وصاحب اليد الذهبية التى تركت لنا إبداعا وإعجازا معماريا سوف يسجل تاريخه لذلك نسلمه وسام الامتنان.