بقلم : زاهي حواس
كتب صديقى الكاتب الشهير صلاح منتصر فى عموده اليومى بجريدة الأهرام موضوعًا بعنوان «زاهى حواس يرثينى». وأفشى قصة الفكرة وراء كتابة هذه المقالات. وبدأت فعلاً بسبب دعابة بينى وبين المهندس صلاح دياب. واتفقنا على أن نرثى بعضنا البعض ونحن أحياء. وقد نفذت وعدى. غير أن الأهم من كتابة هذه المقالات، فى رأيى، هو عودة صلاح منتصر للكتابة بعد العملية التى أجراها، وكانت مجموعتنا، «مجموعة الفرسان»، تدعو له بالشفاء العاجل؛ لأنه شخصية محبوبة مما يجعلنا نقدم له وسام الاحترام والتقدير؛ لأنه رجل محترم وهادئ وجميل، ويحمل الحب والخير لكل من يعرفه.
وبعد المزاح مع صلاح دياب، وجدت أن هناك شخصيات كثيرة عملت أعمالاً عظيمة من أجل مصر وخدموا البلد بما أعطاهم الله سبحانه وتعالى من علم ومواهب. وللأسف الشديد، عندما يحدث تغيير، مثلما حدث فى 2011، ينسى البعض ما قام به الرجال العظام والسيدات العظيمات من أجل الوطن؛ لذا يجب أن نعطى كل ذى حق حقه. وقد وصلنى العديد من الرسائل التى تشيد بما كتبته عن د. فتحى سرور. ويجب أن نخاف كلنا اليوم من المستقبل؛ ولذلك يجب علينا أن نحترم الماضى بكل ما فيه من خير وشر. فعلى سبيل المثال، يعتبر تدمير تمثال تاجر الرقيق فى إنجلترا، وكذلك تمثال سليمان باشا «الفرنساوى»، خطأ فادحًا؛ لأن ما فعلاه، وإن اختلفنا معهما، ما يزال جزءًا مهمًا للغاية من التاريخ. وجعل هذا الجهل العديد من الأجانب يشير إلى أن الهرم قد بُنى بالسخرية والعبودية ويجب تدميره!! فهل يقبل أى إنسان عاقل أن يتم تدمير الهرم؟!. تعالوا بنا ندرس ما فعله القائد العسكرى والسياسى الإنجليزى «أوليفر كرومويل»، الذى ألغى الملكية وأعلن الجمهورية فى إنجلترا، فما يزال تمثاله موجودًا أمام مجلس العمومى البريطانى، وهناك شارع ومستشفى باسمه.
■ د. أحمد عكاشة
ليس مجرد أستاذ طب نفسى للأفراد، لكنه أستاذ طب للشعوب؛ فلديه القدرة الكبيرة على تفسير حالات الطب النفسى الجماعى وحالة الحزن العامة لدى الشعوب. د. عكاشة صديق عزيز جدًا. وقد دعانى، كما دعا صديقى العزيز د. مصطفى الفقى؛ لإلقاء محاضرات فى الاجتماع السنوى الذى يقيمه ليكرم شباب الطب النفسى النابغين من خلال تقديم جائزة باسمه. وقد جعلنى أقلده وأقدم جائزة باسمى لشباب الأثريين والمرممين. هو شخص منظم جدًا فى حياته وعمله. واستطاع أن يصنع اسمه اللامع فى سماء الطب النفسى، وأن يكوِّن مدرسة خاصة به، ولم يلمع فى سماء مصر فقط، بل وصل فى تخصصه إلى العالمية. وقد أسّس مركزًا للطب النفسى. وهو فى نفس الوقت رئيس بحوث منظمة الصحة العالمية. وقد رأس العديد من الجمعيات والمؤسسات العالمية سواء العربية أو الأوروبية. ولو نظرنا إلى تاريخه العلمى، سوف نرى أنه حصل على تكريم من أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا. وهو رئيس تحرير العديد من المجلات العالمية. وأشرف على أكثر من مائتى رسالة علمية. وحصل على العديد من الميداليات الذهبية وجائزة الإبداع العلمى. وهو مستشار رئيس جمهورية مصر العربية للصحة النفسية والتوافق المجتمعى. وأعتقد أن هذا الرجل قد حصل على أجمل جائزة فى حياته وهى جائزة حب المصريين سواء من الجمهور أو من المثقفين.
■ د. محمود كبيش
هو رجل متواضع جدًا. ويعتبر رجل قانون من طراز رفيع وفريد. واستطاع أن يدافع ويكسب العديد من القضايا المهمة جدًا. ويعد من القلائل الذين يقبلون الدفاع عن المظلومين. ولا يقبل قضايا تشوبها أية شائبة. وهناك مجموعة من محبى د. كبيش بسبب آرائه ومواقفه المحترمة تجاه الدولة. وكان يعتقد أن المطالبة بإسقاط قانون التظاهر هى دعوة للفوضى. وهو من المؤيدين لعودة الحرس الجامعى. ومن أقواله: «إذا سأل المتقاضى عمن هو القاضى، إذن فهناك مشكلة». ودعا المصريين إلى انتخاب الرئيس السيسى وقال: «إن الانتخاب حق للمواطن وواجب ومسألة التزام أمام الذات». وحصل عالمنا الجليل على درجتيى دكتوراه فى القانون من جامعة بواتييه Poitier، وهى أقدم كلية حقوق فى فرنسا؛ فقد حصل منها على دبلوم الدراسات المتعمقة فى العلوم الجنائية، ثم على دكتوراه المرحلة الثالثة فى العلوم الجنائية، ثم على دكتوراه الدولة فى القانون. وحصل على وسام فارس من الحكومة الفرنسية؛ وذلك لإسهاماته الكبيرة فى تعميق الثقافة وتطوير العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا. وعُين عميدًا لكلية الحقوق بجامعة القاهرة قبل الثورة. وطالب ثوار يناير 2011 بأن يستقيل العمداء؛ لاعتقادهم أن التعيين تم بالمجاملات؛ لذلك فكان أول من تقدم باستقالته. وبعد ذلك، دخل الانتخابات، وحصل على أعلى الأصوات. وأهم إضافاته هو أن جعل لكلية الحقوق دورًا فى الشأن العام، خاصة عند الاعتداء على القضاة أيام الإخوان. وأعاد ترميم كل مبانى الكلية، وقام بحماية الطلبة والكلية من فوضى الإخوان. وأنشأ للكلية فرعًا للدارسات العليا بالشيخ زايد. وعندما أوقفت جامعة باريس التعاون مع الكلية وسحبت أساتذتها، سافر إلى باريس، واستطاع أن يعيد التعاون معها. وأنشأ قسمًا للدراسة باللغة الإنجليزية. وصداقاته متنوعة مع العديد من الفنانين والشخصيات العامة، وأشاهد ذلك خلال إفطار رمضان الذى يقيمه سنويًا. د. كبيش رجل محترم، وقليل الكلام. وهو شخص عظيم يستحق وسام الاحترام والتقدير.
■ د. فوزى فهمى
استطاع أن يصبح من أهم المثقفين المصريين، وأن يضع اسمه بحروف من ذهب فى عالم الثقافة، وأن تقترن أكاديمية الفنون باسمه؛ لأنه حوّلها إلى جامعة محترمة، وأسّس فيها العديد من الدراسات الجديدة. وبنى الأكاديمية على مستوى عالمى، وأضاف الجدية على طلبة الأكاديمية، وحول حلمه إلى حقيقة. وقد لعب دورًا مهمًا جدًا فى وزارة الثقافة، خاصة أن الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، كان يعتمد عليه فى أغلب مشروعاته الثقافية، وكان دائمًا يرشحه لخلافته. صديق عزيز جدًا. وله مواقف محترمة معى خلال مشوارنا الثقافى. ودائمًا تأتى مكالمته التليفونية للاطمئنان على أصدقائه، وأنا منهم. حصل على الدكتوراه فى علوم المسرح عام 1975. وهو روائى وكاتب مسرحى. وعمل رئيسًا للمجلس القومى لثقافة الطفل. وأشرف على المسرح التجريبى. وهناك جائزة للنقد المسرحى باسمه بالمهرجان القومى للمسرح المصرى. وصدر له العديد من الكتب والأعمال المسرحية. وكان له جهد معروف فى إنشاء الحديقة الثقافية بالسيدة زينب. وأشرف مع مجموعة من العلماء على ترجمة مائة كتاب للطفل. ومن بين أهم مسرحياته «السلطان» و«عودة الغائب» و«الفارس والأميرة». هو رجل بمعنى الكلمة. ولا يقبل الوساطة. ويرفض دائمًا التكريم. وإذا كان لم يحصل على جوائز إلى الآن، فإنه قد حصل على أهم جائزة وهى احترام وثقة وحب كل المثقفين. ويحاول الآن الابتعاد عن الحياة الثقافية، وعلى الرغم من ذلك تجد اسمه متداولاً بين المثقفين. فوزى فهمى ذو حس إنسانى راقٍ. ومن أجمل أقواله لأصدقائه: «ربنا يسعد أوقاتك». وهذا كلام جميل من رجل جميل بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ جميلة.