بقلم : زاهي حواس
وصلنى من الصديق العزيز مفيد فوزى كتاب جديد بعنوان «كلام مفيد»، وقد نشرته «دار سما للنشر والتوزيع». والكتاب عبارة عن مقالات شهيرة قد تكون مرت علينا دون أن نقرأها، لأن عجلة الزمن تدور، ونحن فى بعض الأحيان نطير بعيدًا عن الوطن، ومن ثم نفتقد قراءة سطور جميلة قد تنير لنا الحياة دون أن ندرى.
ومفيد فوزى إنسان جميل ذو كاريزما عالية فى انتقاء الكلمات البسيطة المختصرة الرنانة التى تدخل الأذن دون ضجيج أو وسيط، وبالتالى تسمعها كأنها أغنية مصحوبة بقيثارة تطربك وتسعدك، ولذلك تجد مفيد فوزى دائمًا يجلس معنا وهو سارح، لأنه ينتقى الكلمة القادمة، وفى النهاية، تجد أنه ينهى الحديث بهذه الكلمات المختارة بعناية. ولم يحصل على الكاريزما فقط من خلال الكلمات، ولكن أيضًا فى اختيار ألوان ملابسه والنظارة التى لا تخفى فرحة عندما يسمع خبرًا جميلاً، أو عندما يحزن لوجود سلبيات يشاهدها أمامه فى المجتمع، أو عندما يحس بعدم وفاء من أحد الأصدقاء، أو عندما يشعر بهضم حقه من أى شخص حتى لو كان أعز أصدقائه.
وعندما تنظر إلى غلاف الكتاب، ترى صورته الجميلة كعنوان للكلام المفيد. وسوف تحس أن عينيه تفصحان عما يدور بداخله من أسى بفقدان شريكة حياته الإعلامية المتميزة آمال العمدة. وتتناول مقدمة الكتاب موضوعًا جميلاً جديدًا علينا سواء فى عالم الصحافة الملىء حاليًا بالكتّاب، أو أعتذر بعض الكتّاب الذين يتناولون موضوعات مكتوبة دون علم أو دراسة. ومن أجمل ما قرأت فى هذه المقدمة عندما يقول الأستاذ مفيد: «أعتذر ولا أملك إلا الاعتذار فى زمن داسوا فيه على التسامح وهتكوا فيه عذرية المحبة وأعلنوا وفاة الفروسية. وعندما يلخص لنا فى ثلاثة سطور سبب فشل التعليم منذ أعوام كثيرة ويأتى لنا الحل لأول مرة عندما يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى أن هذا العام يعتبر عام المشروع القومى للصحة والتعليم. وقد عرف الرئيس مشكلة مصر، ويسعى بجدية لحلها بشكل دائم. وأعتقد أن الحل فى الجملة البسيطة التى كتبها هذا الكاتب العزيز وهو يقول: «اعتذر لشباب الجامعات عن التسطيح»، فالأساتذة مشغولون بالانتدابات، والمدرسون مشغولون بالترقيات، والمعيدون مشغولون بإعداد الرسائل الجامعية، والعمداء عيونهم على الوزارة، لعل وعسى.
لا نعرف موهبة مفيد فوزى من الكتابة فقط، بل إن موهبته فى الكتابة ساعدته على إدارة فن الحوار بذكاء شديد، الحوار الذى يقدمه لنا من خلال أسئلة نارية سريعة بعيدة عن التكرار والملل. وأنا شخصيًا أذهب أسبوعيًا إلى آخر صفحة فى مجلة صباح الخير، كى أقرأ إبداعاته المختصرة. وقبل ذلك كان يكتب باسم مستعار هو نادية عابد. وأفتش عن مقالاته فى الأخبار والمصرى اليوم ومجلة روز اليوسف. ومن خلال مقالاته، تحس أنه كاهن يجلس فى قدس الأقداس، لا ليتعبد، بل ليكتب ويقدم لنا إبداعاته المكتوبة فى مقالات جميلة، وكل كلمة فيها تصلح لأن تكون وحدها مقالاً منفردًا، خصوصًا إذا دققنا فى معانى كلمات مقالاته.
وأعتقد أن برنامج حديث المدينة قد جعله يدخل كل بيت. ومن خلاله، أجرى حوارات مع العديد من الفنانين والسياسيين ونجوم المجتمع. واستطاع أن يخرج لنا من كل شخص العديد من الجوانب الجديدة من شخصية الضيف، بل، وبكل جرأة، كان يدخل فى موضوعات يخاف أى إعلامى أن يسألها. ولا أعرف لماذا لا نرى هذا البرنامج الآن! وقد كان هذا البرنامج الجماهيرى يجمع كل أفراد الأسرة الذين كانوا ينتظرونه بشوق أسبوعيًا كى يطل علينا مفيد فوزى ويقدم لنا الجديد بإبداع كبير. وكان له برنامج آخر باسم مفاتيح. وقد شاهدته وهو يحاور النجم يحيى الفخرانى والمخرجة إيناس الدغيدى والنجمة يسرا والنجم سمير صبرى. وعلى الرغم من صداقتى القوية بهؤلاء النجوم، فإن مفيد فوزى قد استطاع أن يسبح فى بحر كل شخصية. وقد تحس أنه قد وصل بنا إلى الشاطئ بالفعل، غير أنه يتركك، وأنت تحس أنه لايزال يعوم، ولايزال يخرج لنا الكثير من مفاتيح النجوم الشخصية. ولا أعرف لماذا أيضًا لم يستمر هذا البرنامج المهم؟!
وقد عرفت مفيد فوزى. وقد صار من أعز أصدقائى. ودائمًا أتمتع بصحبته. وتجمعنا دومًا سيدة المجتمع داليا الجزيرى فى حديث للمدينة مع مفيد وآخرين. وقد لاحظت أنه يكتب دائمًا، فى مجلة صباح الخير، اسمى فقط، وبعده علامة استفهام. وبالمصادفة، قابلته فى حديقة فندق ماريوت، وكانت بصحبته إحدى تلميذاته، فصافحته وسألت: أستاذ مفيد: ما معنى كتابة اسمى وبعده علامة استفهام؟، فرد على الفور قائلاً: نجم. وبعد ذلك قال لى: لماذا لا تظهر معى فى برنامج حديث المدينة؟، فقلت له: إنك لم تطلب منى ذلك، فرد قائلاً: خلاص الثلاثاء القادم سوف أسجل من على أحجار الهرم. وبالفعل جاءنى اتصال منه يوم الاثنين. وأخذ يقول: أنا فى الهرم، أين أنت؟، فقلت له: موعدنا الثلاثاء. فذهبت إليه، وجلسنا على صخرة أمام الهرم الثانى. وأعتقد أن هذا الحديث كان من أهم اللقاءات التى سجلتها تليفزيونيًا. وكان من ضمن أسئلته: هل أنت ترغب فى منصب فاروق حسنى؟، وقد تمت إذاعة هذا البرنامج فى أحد الأيام بينما كنت فى الأقصر مع الوزير فاروق حسنى. وكان وقتها بيننا فترة جفاء قصيرة بسبب أولاد الحلال.
وأعتقد أننى من سعداء الحظ لأننى صادقت عمر الشريف وأحمد رجب وأنيس منصور ومفيد فوزى. وكنا نلتقى دائمًا على العشاء. ولك أن تتصور ما كان يحدث فى هذه اللقاءات بين نجوم لن يتكرر أحد منهم إطلاقًا. وقد أكتب يومًا ما كتابًا عما كان يحدث خلال هذه اللقاءات.
وكتاب مفيد فوزى يتناول فصولاً كثيرة. وسوف أختار بعضًا منها مثل: ست الدنيا: يا فيروز. وقد أعلن مفيد فى حديث إذاعى أنه لا يعشق أم كلثوم، بل يحب فيروز، وأنا شخصيًا معه فى هذا الرأى الذى سوف يعارضه الملايين، ولكن على رأى مفيد فوزى: مثلاً أنا لا أحب التفاح. وموضوع آخر: هو البلد كله زعماء وقضاة؟، وقد كتب هذا الموضوع بعد قضية هانى سرور الشهيرة التى أحدثت ضجة فى المجتمع، وكثرت السكاكين التى تذبح الضحية، ولم تترك الموضوع للقضاة، وهذه هى آفة الشعب المصرى، فالكل يفتى فى موضوعات ليست من تخصصه. وقد شاهدنا هذا حاليًا فى موضوعى الكورونا والآثار. أسأل ولن أكف على السؤال! الدنيا سؤال! السؤال يثقب الصمت ويخترق الغموض وربما يكشف المستور. هذه عناوين وكلمات بليغة. ويعترف مفيد فوزى أنه مدين لأمه التى كانت تنقذه من بطش أبيه، ولذلك أهدى لها هذا الكتاب، وأنه مدين أيضًا لمحمد حسنين هيكل، والذى جعله يتشبث بالكتابة كحلم، ومدين لكامل الشناوى وسلامة موسى وحسن فؤاد ومحمود السعدنى، ومدين لعبدالحليم حافظ الذى اصطحبه لبعبع مصر: صلاح نصر، ودافع عنه أمامه وقال عبدالحليم لصلاح نصر: لو كان مفيد فوزى يتآمر على مصر أو يكتب منشورا ضد الرئيس فهو يفعل ذلك فى بيتى، ومدين لموسى صبرى ومصطفى أمين ورفيقة حياته آمال العمدة.
وأعترف أنا أيضًا بأننى مدين لمفيد فوزى، هذا الرجل الذى علمنى ألا أتحدث كثيرًا، وأن أنتقى بدقة كلمات من عالم الفراعنة لتدخل قلوب العامة بسهولة. أدعو لك بالصحة، وأن تعيش بيننا، كى تنير لنا العقول... فول استوب.