بقلم : زاهي حواس
اتصل بى العديد من الأصدقاء معلنين عن سعادتهم بنشرى موضوعات عن العديد من الأشخاص الذين أثروا الحياة السياسية والثقافية فى مصر، وقد لعب البعض منهم أدوارًا مهمة فى سبيل تحقيق أهداف تنير الطريق لنا كمصريين. ويعيش من أكتب عنهم الآن بعيدًا عن الأضواء بعد أن كان لهم صوت وإنجازات فى كل مكان. وسوف أكتب عن بعض الشخصيات التى قد يختلف البعض فى تقييمها، ولكنى هنا أكتب عن الإنجازات التى قاموا بها ومازالت باقية بيننا. وعمومًا لا أعتقد أننى سوف أسعد البعض؛ لأن لدى القليل من الناس بعض التحفظات على شخصيات معينة. وهنا يجب أن نقضى على موضوع الحقد الموجود بيننا ونسعى لأن يسود الحب والاحترام بين الجميع. وقلت من قبل إن هناك العديد من الهيئات الاجتماعية التى تقدم بعض الشخصيات العامة للشباب كى يحكوا لهم عن تجاربهم. وقد وجدت هذا الاهتمام من طلاب مصر عندما دعيت كى أحاضر فى الجامعات المصرية. ووجدت أن الشباب سعيد وهو يسمع تجارب فشلى ونجاحى طوال مسيرتى العملية.
وقد اعترض البعض على عنوان المقال «أرثيهم أحياء»، وطلبوا أن أختار عنوانًا آخر. واقترح بعض الأصدقاء أن يكون العنوان «وآثارهم باقية»، لكن هذا العنوان يصلح عندما أتحدث عن الملك خوفو وغيره من نجوم الفراعنة ونحن نرى آثارهم باقية بيننا. وبعد ذلك وجدت أن من أقدمهم للقراء ليس اجتهادًا شخصيًا منى؛ لأننى بشر، ويمكن أن يكون بيننا نجوم اختلفت معهم، لكننى عندما بدأت أفكر فى كتابة هذه السلسلة، أخذت عهدًا على نفسى ألا أكون شخصيًا، بل أن أكون موضوعيًا فى الاختيار؛ لذلك شكلت فريقًا من العقلاء، وهم الذين يختارون معى أسماء من نكرمهم من العظماء. وفى نهاية المقال نقدم لمن اختير وسام الاحترام، لذلك فقد فضلت أن يحمل مقالى عنوانًا جميلاً يليق بالمكرمين وهو «نيشان الامتنان»؛ وذلك لأن هذا الاختيار ليس شخصيًا، وإنما اختيار جماعى يجعل الوسام ممنوحًا من كل المصريين.
■ د. جابر عصفور:
تقلد مناصب ثقافية عديدة أهمها أمين عام المجلس الأعلى للثقافة ومدير المركز القومى للترجمة، ثم وزيرًا للثقافة مرتين، ولكن أهم المناصب إلى قلبه هو منصب أستاذ الجامعة. ويعتبر موقفه الوطنى وهو يدافع عن التنوير من أبرز سمات هذا المفكر العظيم. وأعتقد أن من أهم ما قاله هو أن الهدف الثقافى هو الأهم والأبقى الذى يمكن أن يؤثر فى الأهداف السياسية، وأن من أهم أسباب فشل التنمية أنها لا تبدأ بالثقافة؛ وهذا الكلام حقيقى فعلاً؛ لأن الثقافة هى القوة الناعمة التى يمكن أن تحارب الإرهاب، ولو أن الثقافة قد وصلت إلى القرى والنجوع، لأنقذنا الشباب من الوقوع فى براثن الإرهاب؛ ولذلك يجب أن تكون للثقافة ميزانية خاصة لتحقيق هذه الأهداف. وآمن د. جابر عصفور أيضًا بأن تغيير الثقافة السائدة هو الأصل والأساس فى تغيير أى مجتمع. ويعمل حاليًا أستاذًا بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة. وعمل أستاذًا زائرًا بجامعة ويسكونسن بأمريكا عام 1977. وقد تقلد العديد من المناصب فى لجان مختلفة مثل اتحاد الكتاب وسكرتير الرابطة المصرية لاتحاد كتاب آسيا وإفريقيا. وعضو لجان تحكيم العديد من الجوائز، أهمها جائزة التقدم العلمى بالكويت، وجائزة سلطان العويس بالإمارات. وصدر له العديد من الكتب، أهمها «زمن الرواية»، و«مفهوم الشعر»، و«قراءة فى النقد الأدبى». وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة، أهمها الوسام الثقافى من رئيس جمهورية تونس. وعندما اُختير وزيرًا للثقافة للمرة الأولى، اعترض فى مجلس الوزراء على وجود وزراء من أعضاء الحزب الوطنى السابق، فترك الوزارة. وعندما طُلب للمرة الثانية، وضع شروطه. وعندما يتحدث د. جابر عصفور عن النقد يقول جملة مهمة جدًا وهى أنه «للأسف لدينا طائفة تخلط بين النقد والسباب الشخصى، وعلى العاقل ألا يلتفت إلى هذا التجريح ولا يوليه اهتمامًا» وكان أول من نبه إلى خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة، وأعلن أنه سوف يظل ضدها ما بقى قادرًا على الإمساك بالقلم د. جابر عصفور أجرى عملية جراحية دقيقة جدًا هذا الأسبوع، وقد تعافى، وبصحة جيدة. وهو إنسان محترم ونقى ويعشقه تلاميذه. واستطاع أن يكتب اسمه بحروف من ذهب فى ثقافة مصر؛ لذلك نقدم له وسام الحب والاحترام.
■ د. فرخندة حسن:
أستاذة الجيولوجيا المعروفة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. وتعتبر من الوجوه النسائية البارزة خلال عهدى الرئيس السادات والرئيس مبارك. وقد انتقدت خلال أحداث 2011، لكنها لم تغير جلدها لمواكبة هذه الأحداث، وظل بريقها العلمى حاضرًا. وظلت وفية للسيدة سوزان مبارك. وأعلنت أن توريث جمال لم يكن فى نية الرئيس مبارك، وأن السيدة سوزان مبارك لم تنخرط فى السياسة. قابلت د. فرخندة حسن عندما اتصلت بى، وقالت إن السيدة سوزان مبارك تريد كتابًا عن المرأة فى العصر الفرعونى كى تقدمه هدية للمؤتمر العالمى الرابع المرأة فى العاصمة الصينية بكين عام 1995. وقد عرفت بعد ذلك أنها طلبت من شخص ما كتابة الموضوع، ولكن كان همه مقابلة السيدة سوزان مبارك د. فرخندة سيدة ذكية جدًا. عشقت الجيولوجيا منذ الصغر ودرست فى أمريكا. واستطاعت أن تجمع بين الإنجاز العلمى والعمل السياسى منذ أن كانت عضوًا بمجلس الشعب منذ عام 1979. وهى عضو فى العديد من اللجان والمجالس القومية فى مصر والعالم. نشأت فى حى العباسية العريق. وأمها صعيدية. وحصلت على بطولة الجمهورية فى الاسكواش. وقد طلب منها الرئيس السادات دخول مجلس الشعب. وعندما تعرفت على السيدة جيهان السادات، انضمت إلى أمانة المرأة. تعشق القراءة. وقرأت وهى صغيرة كتاب «الضاحك الباكى» للكاتب الساخر العظيم فكرى أباظة ولم تفهم المضمون. وقد قامت بالعديد من الإنجازات للمرأة المصرية خلال عملها مع السيدة سوزان مبارك. وقد تعرفت بها وهى تدرس بالجامعة الأمريكية. وأعلنت أن الرئيس مبارك تعرض لظلم شديد. د. فرخندة حسن ترفض الانهزام. تتحدث بقوة ولباقة. ولم تتغير أو تحاول الحصول على مكاسب شخصية بعد الثورة. تعتبر من أهم نساء مصر فى مجال السياسة؛ لذلك نقدم لها وسام الحب والتحية والاحترام.
■ د. مراد وهبة:
مفكر وفيلسوف ويعمل حاليًا أستاذًا فى جامعة عين شمس. وهو من ألد أعداء الأصولية. واهتم بتشريح مخ الإنسان. وقال عنه د. رفعت السعيد: «إن مراد وهبة هو أستاذ هذا الجيل. وهو الرجل الذى جعل من الفلسفة متعة». له أفكار عميقة وشديدة، ولا يجمل أفكاره، وهو من القلائل الذين يتحدثون عن الهوية المصرية وشخصية الإنسان المصرى. وهو أحد رواد المدرسة الفلسفية المصرية. دخل فى العديد من المعارك ضد الإرهاب، معليًا من راية التنوير فى محراب التنوير؛ ولذلك أطلق عليه «أيقونة التنوير» أو «ابن رشد المصرى» الذى يعشقه بشدة. واشترك كعضو فى قسم الصبيان بجمعية الشبان المسيحيين وعمره عشر سنوات. وتم فصله من الجامعة لجرأته فى طرح أفكاره. وقال له رئيس الجامعة: «إن الطلبة لا ينامون من أفكارك»؛ لذلك طلب منه أن يدرس للدراسات العليا فقط. مشغول بالقضايا العامة. وخاض العديد من المعارك ضد الإرهاب. وقال: «إن لدينا أزمة حادة فى الهوية». ويشير إلى أننا توقفنا عند الحضارة الفرعونية، وأننا يجب أن نقضى على الأسطورة؛ كى نلحق بالتطور العلمى، وأن الرئيس السيسى يعمل على بناء الإنسان المصرى بجدية، وأننا نعانى أزمة فى الهوية، وأن فلاسفة الإغريق جاءوا وأفادوا من علم وفلسفة المصريين مثل طاليس وأفلاطون، وهناك شروط كى نشارك فى التطور العلمى. على الرغم من أن د. مراد وهبة طيب ووديع، لكنه شرس فى الدفاع عن الحق والحرية؛ ولذلك أصبح اسمه عالميًا فى عالم الفلسفة الذى لم يدخله إلا القلائل؛ لذا نقدم له وسام الحب والاحترام.