كلمة السر عند صديقى «عادل حمودة» هى الحرية، وهذا هو عنوان جزئين عن حياة هذا الرجل، الذى قضى 50 عاما فى العمل فى كواليس صاحبة الجلالة: الصحافة والسياسة، وخاض الكثير من المعارك، التى انتصر فى أغلبها، ولكنها معارك شرسة استطاع من خلالها أن يكشف لنا عن العديد من مافيا الفساد، ورغم ذلك فإن الفصل الأول من معاركه كان معركته مع مؤسسة الأزهر وهى القضية الشهيرة التى رفعها الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر، وقد دخل عادل ليمان طره ودفع ثمن آرائه ومواقفه الشريفة، وهذه القصة من القصص اللطيفة التى أحب أن أسمعها من عادل حمودة أكثر من قراءتها، وخاصة وهو يتحدث عن عناد د. طنطاوى ورفضه كل محاولات الصلح، وأعتقد لم يحدث فى تاريخ الصحافة المصرية أن وصل عدد القضايا التى رفعت ضد صحفى كما حدث مع عادل فقد وصلت القضايا إلى 412 قضية.
فقد عاش عادل حمودة يدافع عن نفسه سواء عن طريق قضايا رفعت ضده هو شخصيا أو بصفته كرئيس تحرير فى روزاليوسف وصوت الأمة والفجر وكأن الجميع اتفقوا على شىء واحد وهو «سوف نحبس عادل حمودة».
عرفت عادل حمودة لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما، وتقابلنا فى ندوة بقاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وفى أول مقابلة قال لى إن رئيس هيئة الآثار قال له إن سبب شهرة «زاهى حواس» فى المحاضرات أنه يأخذ تماثيل من المتحف المصرى معه بالخارج، وبالتالى يحضر العديد من الناس هذه المحاضرات، وقلت لعادل فى ذلك الوقت هذه هى تخاريف الحقد لان أى قطعة تخرج من المتحف المصرى، لا تخرج إلا فى المعارض الأثرية وبقرار من رئيس الجمهورية، وبعد ذلك تطورت الصداقة بيننا إلى أن أصبح من أعز أصدقائى، وسافرنا معا إلى العديد من دول العالم، وحضر لى العديد من المحاضرات.
وأذكر أننا سافرنا إلى إيطاليا وفى مطار ميلانو، وكان ذلك فى وقت عمليات إرهابية تحدث فى العالم أجمع، وجدنا اثنين من البوليس يمشيان وراءنا ولم نجد أمامنا غير أن نجرى ونختفى عن أعين الشرطة، وجلسنا فى مقهى ووجدنا الشرطيين أمامنا واصفر وجهنا ولكن وجدناهم يحضران ورقة لكى أوقع عليها.
والحقيقة أن كتاب «كلمة السر هى الحرية» تشعر وأنت تتجول بين صفحاته أنك تعيش مع جندى يحارب فى كل مكان ولكنه طوع الكلمات بأسلوب شيق وجميل يجعلك لا تود أن تترك هذا الكتاب، وقد استطعت خلال يوم واحد أن أقرأ الجزء الأول وبعد ذلك الجزء الثانى، ولذلك فأنا أنصح أن تقرأ هذا الكتاب لأنك سوف تحس أننا أمام روبين هوود الصحافة المصرية، وهو مدافع قوى عن الحق ونصير الفقراء وسوف تعرف كيف استطاع بقلمه الرشيق أن يكون له مدرسة خاصة تخرج منها العديد من نجوم الصحافة وأغلبهم يفخرون أنهم من تلاميذ عادل حمودة. وقد استطاع من خلال خبطاته الصحفية أن يجعل «روزاليوسف» تدخل كل بيت وتصبح أقوى المجلات وأكثرها توزيعا، وبعد ذلك استطاع أن يؤسس صحيفة «صوت الأمة» وقد استطاع أن يجعلها صحيفة أسبوعية هامة وشاهدت مولد صحيفة «الفجر» فى منزل عادل حمودة وهم يختارون هذا الاسم الجميل، وقد كان لكل صحيفة لون خاص فلم يكرر عادل حمودة نفسه، بل استطاع أن يجعل لكل جرنال شخصية وأن يجعل الصحفيين الذين يعملون يفجرون العديد من الخبطات الصحفية وكشف العديد من الأسرار وفى النهاية نجد عادل حمودة فى ليمان طرة. وأغلب المعلومات التى نشرت فى هذا الكتاب موثقة بالأدلة بالإضافة إلى أن «عادل حمودة» لم يحاول أن يتجمل بل نجد أنه فى بعض الأحيان ينقد نفسه، أى أنه لم يحاول فى هذا الكتاب أن يظهر بطولة زائفة، بل عرض على القارئ الحقائق بأسلوب السهل الممتنع وجعل مذكراته عبارة عن قصة يصلح كل جزء منها أن يكون فيلما سينمائيا، ولكن يصعب أن نختار أبطال هذه الأفلام لأن هناك بطلا واحدا فقط هو عادل حمودة، وعندما عمل فى جريدة الأهرام لمدة عشر سنوات بعد أن ترك «روزاليوسف»، وبعد أن استطاع البعض أن يؤثر على أصحاب القرار ويُنقل بهذا التعسف إلى مكان لم يكن يحبه ولكن كان هناك خوف من قلمه الذى سوف ينال بعض الوزراء أو المسؤولين فى الدولة لذلك فوضعوا عليه رقابة مشددة ولكن أعظم وسام حصل عليه هو أن صديقى الكاتب الساخر الراحل «أحمد رجب» قال عن كلمات عادل إنها «طلقات بازوكا» كاتب يأخذ صفرا فى الحساب ولم يفكر يوما فى الحصول على بوليصة تأمين سياسية على مقالاته أو حياته، ويكره أن يقف أحد على أصابعه وهو يكتب.
أما القصة اللطيفة من كتابه التى أود أن أسردها للقارئ هنا عندما ظهر عادل حمودة فى رمضان 1998 فى برنامج رمضانى خفيف تحدث فيه أنه كان من أحلامه أن يصبح رئيسا للحكومة وبعد انتهاء البرنامج، اتصل به صفوت الشريف يسأله «هل أسأت الى رئيس الحكومة فى البرنامج؟»، وبالطبع قص عليه ما حدث فى البرنامج أنها أحلام الشباب واتضح أن رئيس الحكومة فى ذلك الوقت اتصل به شخص ما وقال إن عادل حمودة سخر من هذا المنصب، أى منصب رئيس الحكومة.
وأعتقد أن عادل حمودة اعتبر صلاح حافظ أستاذه وتعلم منه الحرية والقوة فى التمسك بالحق وتحدث عنه كثيرًا فى العديد من أجزاء الكتاب، ومن أجمل ما كتبه عنه أنه جمع بين الأفكار اليسارية فى الحياة الاجتماعية والحرص على الحرية فى الحياة السياسية وفى كل الأحوال كانت تصرفاته وقراراته تتسم بحالة مفرطة من الإنسانية. وقد دعوت عادل حمودة إلى العديد من اللقاءات مع عمر الشريف وكان عادل يبدو دائما سعيدا ومبتسما وهو يجلس مع عمر وكان دائما يطلب منى أن يلتقى مع عمر على العشاء ليسمع قصص مغامراته فى هوليوود، وعندما مرض عمر بهذا المرض اللعين، وحدث أن دعانى المبدع الصديق المخرج خالد جلال لمشاهدة مسرحية قهوة سادة، واتصلت بعادل حمودة لكى يحضر معنا العرض، ولاحظ عادل أن عمر أصيب بهذا المرض اللعين ولم أطلب من عادل حمودة ألا يكتب الخبر ولكن حاسته الصحفية جعلته يكتب هذا الخبر الذى أحزن مصر كلها، وحاول البعض أن يلوم عادل على كتابة الخبر، ولكن أنا أحسست أن المصريين يجب أن يعرفوا ماذا حدث لهذا النجم العظيم الذى كان يحمل كاريزما لن تتكرر مع نجم سينمائى، وبعد ذلك قام عادل حمودة فى أحد برامجه التليفزيونية بعمل حلقة كاملة عن عمر وقد ظهر العديد من الشخصيات والنجوم الذين يتحدثون عنه، وقالوا إنهم أصحاب عمر ولم أسمع عمر يتحدث عن واحد منهم.
سعدت جدا فى هذه المذكرات بما قاله عن السيدة جيهان السادات وعن مقابلته الأولى لها فى بيت الطبيب الراحل سيد الجندى، ورغم أن عادل كان عنيفا فى نقد الرئيس السادات، إلا أن السيدة جيهان السادات قد تعاملت مع عادل فى أول لقاء باحترام ومودة زائدة وهذه هى عادة هذه السيدة العظيمة حتى أصبح قريبا منها، وقد سألها سؤالا كان يحيره وهو نفس السؤال الذى سألته لها ونحن فى منزل الأسرة وفى حضور أحمد رجب وإبراهيم المعلم وهو «ما الذى يدفع فتاه صغيرة لا يزيد عمرها على 14 عاما ومن أسرة عريقة أن تقع فى حب ضابط مفصول من الخدمة ويكبرها بنحو عشرين عاما ومتزوج ولديه أولاد ومفلس ولا يجد عملا؟».. وكانت إجابتها الفورية حاسمة وعفوية: «كان بطلا».
كما قلت فى البداية إن هذه المذكرات بها 59 عنوانا، كل فصل يمكن أن يصبح فيلما سينمائيا مثيرا، وخاصة لأن عادل حمودة يعتبر من آخر العمالقة أو كما أطلقوا عليه «جواهرجى الصحافة المصرية» وهو من يستطيع أن يضع الكلمة مثلما تضع فص ياقوت على خاتم أو تتغزل فى امرأة جميلة، فقد جعل كل فصل عبارة عن مغامرة مثيرة وتطرق إلى الكثير من الموضوعات الهامة مثل مقابلة رأفت الهجان أو ضابط المخابرات العامة محمد نسيم الذى جند الهجان، وعندما قابل الرئيس مبارك لأول مرة وذلك فى بلير بلاس بواشنطن- وقال له «أنت بقى عادل حمودة»، بالإضافة إلى قصص معاركه مع كمال الجنزورى ولا داعى للخوض فيها الآن.
وعندما تقرأ هذه المعارك سوف تعتقد أن عادل حمودة شخص شرس أو رامبو الصحافة المصرية، بالعكس فهو شخص خجول جدا وطيب وصديق لكل أصدقائه، وعندما يقتنع بأحد يدافع عنه دفاعا قويا يظهر معدنه الجميل، وأنا شخصيًا أعتبر أن علاقتى بعادل حمودة قد جعلتنى أعرفه جيدا وأضعه فى مصاف الرجال المحترمين، وقد لا يتفق معى الذين لا يعرفون عادل حمودة ولكن وجدت أن من واجبى أن أقدم هذا الرجل الذى قدم العديد من النجوم للصحافة وأصبحوا رؤساء تحرير والعديد منهم يقدمون برامج تليفزيونية ناجحة وحصلوا على حب الناس مثل أستاذهم عادل حمودة. ولذلك قد أقول إنه مدرسة ويمكن أن نطلق عليها مدرسة المشاغبين لأن كل تلاميذه ملأوا الدنيا بموضوعات صحفية مثيرة لا نزال نتحدث عنها حتى الآن..
عادل حمودة مدرسة لن تتكرر وهذه المذكرات تعتبر خبرة ومدرسة يتعلم فيها شباب الصحافة المعرفة، فعلا هى أسرار عادل حمودة يكشفها لنا لأول مرة.