لا أعرف لماذا يربط صديقى د. وسيم السيسى الدراما بالتاريخ!!!
الدراما هى من وحى خيال الكاتب؛ لذا فإنها لا ترتبط إطلاقًا بالتاريخ. وأقول له، انظر إلى كل الأفلام التى أُنتجت عن الفراعنة، فسوف تجد فى مقدمة هذه الأفلام عبارة تقول إن قصة هذا الفيلم من وحى خيال الكاتب، ولا ترتبط بتاريخ الفراعنة. وأقول دائمًا إن من حق الكاتب أن يبدع فيما يكتبه عن مصر الفرعونية، ولكن لابد أن يلتزم بالملابس واللغة والمعابد حتى يحاكى العمل الفنى الحقيقة.
وأقول له أيضًا انظر إلى كتابات الأستاذ نجيب محفوظ عن الفراعنة سواء أكانت روايته «عبث الأقدار» أو روايته «كفاح طيبة» أو غيرهما، فسوف تجد أن كاتب نوبل قد كتب «عبث الأقدار» من خياله، وهذا من حقه. ثم اعتمد فى كتابة القصة على قطعة أدبية تعرف باسم «خوفو والسحرة» أو «بردية وستكار». وأخذ منها بداية القصة، وبعد ذلك، كتب الرواية كلها من خياله. وللمرة الثانية، فإننى أؤكد لك أن هذا هو ما يعرف باسم «فن الدراما».
وأود أن أقول له أيضًا، إنك لو أخذت التاريخ بما فيه للدراما، فسوف ينصرف العامة عما تكتب؛ لأن التاريخ يسجل فقط الأحداث المتصلة بالدين أو الأحداث المرتبطة بألوهية الملك؛ لذلك كان الملك يظهر على المعبد فى مناظر تتصل بهزيمة الأعداء وتقديم القرابين للآلهة وتوحيد الشمال والجنوب، أما مقبرة الملك، فتوجد عليها فقط نصوص الكتب الدينية مثل كتاب الموتى والبوابات والليل والنهار وغيرها، بالإضافة إلى مناظر تمثله وهو يقدم القرابين للآلهة؛ لذلك لا يمكن إطلاقًا أن نعرف من خلال الآثار من هو فرعون موسى؛ ولذلك يجب ألا يتم الربط بين الدين والآثار؛ لأن الآثار تعتمد على حقائق وأدلة، ولا يوجد لدينا فى الآثار ما يثبت وجود أنبياء الله فى مصر إلى الآن.
وللمرة الأخيرة، أقول لك إن ما كتبته للأوبرا هو دراما مثل أوبرا عايدة التى هى من خيال الكاتب مارييت باشا والموسيقار فيردى، وليس لها أية صلة بالتاريخ الفرعونى إطلاقًا.
وأعود إلى التاريخ والآثار المرتبط بالأدلة سواء اللغوية أو الأثرية عن تلك الفترة المهمة وغير التقليدية فى تاريخ مصر الفرعونية، فأقول لك لقد اعتقد البعض أن سبب اختفاء الملكة نفرتيتى فى العام الثانى عشر من حكم أخناتون هو أنها اشتركت فى الحكم، وغيرت اسمها إلى نفر نفرو آتون، واعتقد البعض الآخر أن سبب اختفائها هو وصول الملكة تى، أم الملك أخناتون، إلى عاصمة أخناتون فى تل العمارنة، غير أن الحقيقة أنه عُثر مؤخرًا على جرافيتى بمنطقة «دير أبو حنس» بالمنيا، ويشير إلى العام السادس عشر من حكم الملك أخناتون فى وجود الملكة نفرتيتى. وهذا يعنى أن الملكة استمرت بجواره حتى نهاية حكمه؛ لذلك يعتقد البعض الآن أن مريت-آتون، ابنة أخناتون، هى التى شاركت أباها الملك أخناتون فى حكم البلاد. ويعتقد بعض العلماء، وأنا أيضًا منهم، أن الملكة نفرتيتى قد حكمت حوالى عامين أو أقل بعد موت أخناتون، وغيرت اسمها إلى سمنخ كارع.
أما موضوع رأس نفرتيتى، فقد كُتب فى هذا الموضوع العديد من الكتب، بل وأرسلت أول خطاب رسمى إلى ألمانيا مطالبًا بعودة رأس نفرتيتى لمصر؛ وذلك فى أواخر عام 2010. وتعتبر هذه هى المطالبة الرسمية الثانية بخصوص عودة رأس الملكة الجميلة إلى بلده الأصلى: مصر. وعمومًا، وللمزيد عن تاريخ فترة العمارنة، وخاصة الملكة نفرتيتى، برجاء الرجوع إلى كتابى الذى نشرته تحت عنوان Tutankhamun: From Carter to DNA، مع العلم أننى قد كتبت حوالى 15 كتابًا عن توت عنخ آمون وهذه الفترة، وهى كتب علمية بحتة، وليس لها أية صلة بالدراما.
ونعود إلى توت عنخ آمون، فأقول إنه يجب أن نشير إلى أن هناك بعض الأشخاص الذين يقرأون بعض الكتب عن الآثار، وهم لا يعرفون أن هناك الآلاف من المقالات العلمية التى نُشرت عن فترة العمارنة وتوت عنخ آمون؛ ولذلك أقول عندما أطلق توت عنخ آمون، وهو عائد من العمارنة، على الملك أمنحتب الثالث اللقب المصرى القديم، «إيت» «it»، بمعنى «أب»، فأقول إن علماء الآثار قد ناقشوا هذا اللقب، وقالوا إن لقب «إيت» يعنى «الأب» و«الجد» و«جد الجد». وقد كُشف فى الأشمونين عن حجر منقول من تل العمارنة، وعليه نقش بالهيروغليفية يذكر الملك توت على النحو التالى: ابن الملك من صلبه، محبوبه، توت عنخ آتون. وهذا يؤكد أن هذا الملك الصغير قد وُلد فى تل العمارنة، وأنه ابن الملك أخناتون، كما يقر بذلك الكثير من علماء الآثار.
وعندما بدأنا المشروع المصرى لدراسة المومياوات الملكية عن طريق فحص المومياوات بالـCT Scan والـDNA الحامض النووى، وجدنا أن الهيكل العظمى الذى عُثر عليه داخل المقبرة رقم 55 بوادى الملوك يخص الملك أخناتون، وأنه ابن الملك أمنحتب الثالث والملكة تى، وهو والد الملك توت عنخ آمون. كما اتضح لنا أن المومياء الموجودة داخل المقبرة رقم 35 بوادى الملوك، وهى مقبرة الملك أمنحتب الثانى التى عُثر بداخلها على خبيئة للمومياوات وصل عددها إلى 13 مومياء، المومياء، المعروفة باسم مومياء السيدة الكبيرة، تخص الملكة تى. ويؤكد ذلك كارتر الذى عثر على تابوت صغير عليه اسم الملكة تى وخصلة من الشعر. وتم عمل مقارنة بين هذه الخصلة وشعر السيدة الكبيرة، واتضح التطابق، مما يؤكد أنها مومياء الملكة تى، وبجوارها وُجدت مومياء السيدة الصغيرة، وهى أم الملك توت عنخ آمون، والتى لا نعرف اسمًا لها، ولكن اتضح من تحليل الحامض النووى أنها كانت ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تى؛ ولذلك فإن الزوجة الثانية كيا لم تكن هى أم توت عنخ آمون، كما يقول د. وسيم. ومن المعروف أن كيا كانت من مملكة ميتانى الحورية، أو «نهارينا» فى النصوص المصرية، والتى كانت تقع فى شمال سوريا وجنوب شرق بلاد الأناضول، أى أنها من سوريا، وليس لها علاقة بالعبرانيين، كما يذكر د. وسيم أيضًا. وهكذا فقد تزوج أخناتون من أخته، ابنة الملك أمنحتب الثالث، كما سبق أن ذكرنا.
وهناك الكثير من المعلومات عن توت عنخ آمون يجب أن تعرفها يا د. وسيم قبل أن تكتب عنه؛ لذلك أرجو أن تقرأ كتبى، وأيضًا كتب العلماء فى هذا الموضوع، ولا تعتمد على مراجع قديمة، بل يجب أن تعرف الجديد فى علم الآثار باستمرار؛ لأنه علم متجدد بشكل دائم.
د. وسيم: إننى أقدرك واحترمك كطبيب، وأعلم أن اهتمامك بالآثار كهواية، غير أننى، على الجانب الآخر، قد قضيت عمرى كله أبحث وأنقب وأكتب حتى وصلت أبحاثى العلمية إلى أكثر من مائتى مقالة وكتاب؛ لذا فإننى أؤكد لك أن المناظرة العلمية بينى وبينك لن تكون فى صالحك.
وفى النهاية، أؤكد لك للمرة الأخيرة، أن الدراما هى مجرد خيال من الكاتب، أما العلم والتاريخ والآثار فأرضها الأدلة اللغوية والأثرية والاكتشافات الجديدة.. مع تحياتى لك.