بقلم : زاهي حواس
الكاتب الكبير العقاد كتب مقالا مهما جدا عن شم النسيم فى جريدة الأهرام فى إبريل 2001 وأعاد نشرها صديقى علاء ثابت، رئيس تحرير الأهرام، فى أوائل إبريل والعنوان «العقاد يجادل بن جوريون حول شم النسيم» وكان هدفه مناقشة أصول هذا العيد فى العقيدة اليهودية، ويشير إلى أن المصريين القدماء عرفوا هذا العيد قبل كل أنبياء الله جميعا وهو عيد الربيع وعيد الخير وهو عيد عاش أمس ويعيش غدا على حد قول كاتبنا الكبير، وأضاف أن اليهودية تشير إلى شم النسيم على أنه عيد الخروج، يوم النجاة، ويضيف أن ما كان لبنى إسرائيل فضل فى يوم الخروج وإنما الفضل إلى سيدنا موسى عليه السلام الذى تربى فى مصر وتعلم فيها الحكمة والحق والعدل حتى اختاره الله ليكون نبيا للعبرانيين ليهديهم إلى الصراط المستقيم.
وهذا العيد هو عيد مصرى قديم كان يحتفل به الأجداد من الفراعنة ويشترك فى هذا الاحتفال كل أفراد الشعب المصرى ومنهم الفرعون والوزراء والموظفون، لأنه العيد الذى اعتقد الفراعنة أن الحياة تبعث فيه وتنمو النباتات ويولد الحيوانات أى أنه عيد الخلق فى الطبيعة، ولذلك احتفل به الشعب. يخرج المصريون إلى النيل والحدائق وهم يشاهدون تفتح الأزهار والخضرة. وقد اعتاد المصريون أن يستيقظوا مبكرا ويذهبون للحدائق ويركبون القوارب فى نهر النيل ويغنون ويصفقون ويعيشون فى بهجة وحب احتفالا بهذا اليوم وكانوا يأكلون الفسيخ الذى عرفه الفراعنة منذ حوالى خمسة آلاف عام، فقد عثرنا فى المنطقة المجاورة لمقابر العمال بناة الأهرام على المنطقة السكنية التى كان يوجد فيها مخابز للعيش وعثرنا على منطقة بها أسماك مجففة وذلك لكى يأكلها العمال وقد عرفنا من اكتشاف مقابر العمال بناة الأهرام أن إعاشة العمال كان واجبا وطنيا على العائلات الكبيرة الميسورة فى صعيد ودلتا مصر، فكانوا يرسلون صوانى الأكل بالإضافة إلى أغنام وأبقار وبصل وثوم وفى المقابل كانوا لا يدفعون الضرائب فكان الهرم هو مشروع مصر القومى، أو نقول إن بناء الهرم هو الذى بنى مصر.
فقد وضع الفراعنة الملح على السمك حتى يمكن أن يعيش مدة أطول وهذا هو الفسيخ الذى نعرفه اليوم وقد ذكر هيرودوت الملقب بأبو التاريخ أن المصريون القدماء كانوا يتركون السمك فى الشمس ويأكلونه نيا ويحفظونه فى الملح وكان يعتقد أن أكل السمك عند الفراعنة خلال هذه الفترة مفيد جدا فى تغير الفصول وكان البيض فى عقيدة المصريين القدماء هو رمز لخصوبة الطيور. وكان البصل مفيدا جدا للشفاء وأنه يطرد الأمراض بل وكان الطفل يشم البصل بعد ولادته مباشرة لكى يعطى للطفل قوة ومناعة وأنا أقول دائما أن هذه الوصفة الفرعونية من البصل والثوم هى أقوى علاج للوقاية من البرد ومن الكورونا ولتقوية المناعة وكان الخس أيضا هو رمز للإله مين إله التناسل لما فيه من مواد زيتية تعطى الخصوبة والحيوية ولذلك استمر هذا العيد منذ حوالى خمسة آلاف عام، أى منذ بداية العصر الفرعونى حتى الآن.
أما صلة هذا العيد المصرى القديم بعيد الفصح اليهودى فقد نشره كاتبنا العظيم العقاد عندما أشار إلى أن الفراعنة احتفلوا بعيد شم النسيم قبل أن يخرج بنو إسرائيل من مصر فى عهد سيدنا موسى عليه السلام، ولذلك قد يكون الخروج قد تم مصادفة مع موعد احتفال المصريين القدماء بعيد أول الربيع أو بدء الخلق ولكن اعتقد اليهود أن هذا التوقيت بأنه رأسا للسنة الدينية الخاصة بهم ولذلك أطلقوا على هذا اليوم، أى يوم خروج بن إسرائيل، بالفصح وهى كلمة عبرية تعنى «عبر» وهذا يشير إلى نجاتهم من بطش فرعون مصر وهكذا نرى أن ما حدث من اتفاق بين خروج بنو إسرائيل وعيد الخلق المصرى قد تمت مصادفة بحتة وبعد ذلك ارتبط هذا العيد بأقباط مصر وذلك لاتفاقه أيضا مع موعد قيامة السيد المسيح وأصبح الاحتفال به يتم فى اليوم الذى يسبق عيد شم النسيم وارتبط العيد بيوم الاثنين، ولذلك فإن عيد شم النسيم يحتفل به المصريون من يهود وأقباط ومسلمين معا حتى الآن.
لم أعرف السبب فى أن حاور العقاد بن جوريون وقد تكون هذه الرسالة يشير فيها إلى أن هذا العيد عرف كعيد فرعونى قبل خروج بنى إسرائيل بالإضافة إلى أن سيدنا موسى قد تربى طبقا لما هو مدون فى الكتب السماوية فى بلاط ملك مصر وعرف التوحيد وتعلم العلم والنور من المصريين القدماء. أما أغلب ما كتب فى مقال العقاد فقد اعتمد على الكتب السماوية ولكن هذا المقال يعتبر مقالا مهما جدا من كاتبنا العظيم العقاد حول شم النسيم وخروج بنى إسرائيل.
شكرا للراحل العظيم العقاد لهذا المقال الجميل. وهذه هى المرة الثانية على ما أعتقد أن نحتفل بشم النيسم فى منازلنا وكانت المرة الأولى فى نهاية مرض الكوليرا عام 1947 وكان ذلك سؤالا من مجلة آخر ساعة موجها لكل المصريين؟