بقلم : زاهي حواس
فقدت الصحافة واحدًا من أهم الكتاب فى مصر، الدكتورعمرو عبد السميع. عرفته لأول مرة وهو يعمل مندوب الأهرام فى واشنطن، وعندما عاد إلى مصر توطدت العلاقة بيننا حتى أصبحنا نتحدث تليفونيا مرات عديدة أسبوعيا. وهو مخلص جدا لأصدقائه ويدافع عنهم بشكل غير عادى، وقد وقف بجانبى عندما كان اللصوص الذين سرقوا الثورة يهاجمونى، ودافع عنى كثيرا، وكان يفاجئنى بمقالات كثيرة عن الآثار، ولكن كان من عادته أن يذاكر جيدا ويبحث حتى يكتب المعلومة صحيحة.
وأعتقد أنه قدم لنا أهم البرامج التليفزيونية، وهو برنامج «حالة حوار» وقد ناقش العديد من القضايا الهامة، ومنها قضية تحويل الآثار إلى مجلس أعلى بعيدا عن وزارة الثقافة، وقد ناقش هذا الموضوع بحيدة شديدة، وكنت أقول له دائما إننى ضد أن تصبح الآثار وزارة، لأن الوزير هو يمثل سياسة الدولة ويجب أن من يتولى رئاسة الآثار أن يكون بعيدا عن السياسة حتى يصبح حرا فى اتخاذ القرار المناسب للحفاظ على الآثار. وكان ملما بأخبار أصدقائه ويبحث عنهم ويتصل بهم دائما، وعندما يتحدث معى أجده يسأل بحب عن صديقنا المشترك مصطفى الفقى وكتب عنه مقالا جميلا.
كان عمرو عبدالسميع شخصًا طيب القلب، رغم أن البعض لا يشاهد ذلك فى شخصيته، ورغم هذه الطيبة فكان شديد الخصومة ضد من يسيئ له أو لعائلته وقد كان بيننا صديق مشترك أعتقد عمرو أنه أساء له شخصيا، وحاولت أن أوضح لعمرو أن هذا الصديق يحبه ويحترمه، لكنه لم يكن مستعدا أن يسمع منى أى دفاع عن هذا الشخص، وقد حدث أن هذا الصديق الآخر الجميل أن اتصل بعمرو تليفونيا وتحدث معه ونفى له كل ما كان يعتقده وفى اليوم التالى اتصل بى عمرو عبد السميع وكان دائما يدلعنى ويقول لى «زهزوهتى» وقال: «تصور أن فلان اتصل بى وأنا سعيد جدا بهذا الاتصال، وأنا نسيت كل شىء». هذا هو عمرو عبد السميع.
وأنا شخصيا أتابع أعمدة قليلة فى الصحف المصرية ولكن العمود اليومى فى الأهرام يتناول قضايا مهمة جدا ومدروسة دراسة علمية سليمة وكان دائما ينادى بضرورة مشاركة رجال الأعمال فى الثقافة ودعم الاقتصاد، وقد تصدى للصوص الذين ركبوا ثورة يناير 2011 وداسوا على كل شىء ودمروا كل ما هو جميل وخرجوا لكى ينتقموا من كل شىء عظيم ولولا الرئيس عبد الفتاح السيسى لظلت مصر فى يد الظالمين، ولكانت شوارعنا يجرى فيها هؤلاء الخونة وسارقو الثورة، وكان هذا ما يقوله لى عمرو عبد السميع تليفونيا.
وكانت زوجته السيدة فاطمة عزيزة جدا عنده، وكان دائما يتحدث عنها بحب واحترام وأذكر أننى دعيت لإلقاء محاضرة فى أحد نوادى الروتارى بفندق السلام بمصر الجديدة، ولم أكن أود تنفيذ هذا اللقاء لبعد الفندق الشديد، لكن عمرو اتصل بى، وقال إن زوجته فاطمة هى عضوة فى هذا النادى، وطلب منى الموافقة من أجل زوجته. وكان يتصل بى دائما قبل اللقاء لكى أتحدث وأقابل زوجته، وفعلا وجدت السيدة العظيمة التى وقفت بجانب صديقى عمرو خلال محنته المرضية. وقد تعرض للعديد من الأزمات الصحية ودخل المستشفى وأصبح يقضى أغلب أوقاته فى المنزل ولا يستطيع الخروج بعد أن كنا نتقابل فى نادى الجزيرة، لكنه استغل وجوده فى المنزل لكى يكتب عموده اليومى فى الأهرام ويؤلف العديد من الكتب الهامة والروايات التى أثرى بها المكتبة العربية.
وأذكر أنه كان يضايقه كثيرا أن أطلبه بالرقم الذى لا يظهر على التليفون، وقال «علشان خاطرى أطلبنى من رقمك العادى» وفعلا فعلت ذلك ولكن بعد ذلك وجدته يضع على تليفونه الرقم الذى لا يظهر على تليفونى، وعندما أعاتبه أسمع ضحكات جميلة على المقلب. وهو من القلائل الذين تجدهم مبتسم دائما ويسعد الجميع بأبتسامته الجميلة وهو من القلائل الذين تعلموا أن يطلقوا الكلمات القصيرة فى البرامج التليفزيونية ونقول عنها Sound Bites.
وأجمل ما أسعده فى آخر حياته هو حديث الكاتب كرم جبر عن شيوخ الصحفيين وهل سوف يتم الاستغناء عنهم، ولكن كرم أعلن عن مجموعة من الأسماء الذين لا يمكن للصحافة أن تستغنى عنهم وكان عمرو عبد السميع واحدا منهم، وهذا أسعد عمرو جدا وحدثنى فى ذلك تليفونيا.
وفى أيامه الأخيرة لم يتصل بى لمدة أسبوع واتصلت به ووجدت التليفون مغلقا وفى اليوم التالى طلبت الرقم وردت على زوجته السيدة فاطمة وشرحت لى الحالة، وأنه فى غرفة الإنعاش وطلبت منى أن أدعوا له، وهنا اهتز قلبى خوفا عليه واتصل بى فاروق حسنى ومصطفى الفقى ليعرفوا الحالة ولكن فارقت روحه لكى يذهب إلى جنة الخلد.
رحم الله صديقى عمرو عبد السميع- كاتب له طابع مميز ومحاور تليفزيونى لا يستطيع أحد أن يملأ مكانه