بقلم : زاهي حواس
نشطت في السنوات الأخيرة جماعات من أصحاب البشرة السمراء من الأميركيين الذين يعرفون بـ«African Americans»، وجماعات أخرى من السود من مواطني أميركا الجنوبية يدعون فيها أن أجدادهم الأوائل هم من بنوا الحضارة الفرعونية، وأن فراعنة مصر والمصريين القدماء كانوا من ذوات البشرة السوداء، وملخص ادعاءاتهم أن أصل الحضارة المصرية القديمة هو الجنس الأسود. لقد نشرت هذه الجماعات دعاياتها في كل مكان وبكافة الأشكال والوسائل. كنت في زيارة لدولة البرازيل ووجدت أنهم يقومون بعمل مهرجان أو ما يسمى بالكرنفال الذي يجوب الشوارع والميادين يلبسون فيه الملابس الفرعونية ويحيطون بعربة كبيرة يجلس أعلاها شخص يمثل فرعوناً مصرياً يرتدي التيجان الفرعونية وبجواره الملكة. وبالطبع كل من يشارك في هذا الكرنفال من أصحاب البشرة السوداء.
وقد جاء الكوميدي الشهير كيفين هارت إلى أسوان ومعه الآلاف من السود الأميركيين ليعلن أنهم أصل الحضارة المصرية وقد قاموا في شهر مايو (أيار) 2023 بعمل مؤتمرات في أميركا ليؤكدوا مزاعمهم بأنهم أصل الحضارة الفرعونية. وقد قمت بالرد عليهم وتفنيد مزاعمهم في كل مكان. وأثناء قيامي بإلقاء سلسلة من المحاضرات العامة بالمدن الأميركية في شهري مايو ويونيو (حزيران) من العام نفسه، وجدتهم يحملون لافتات تحمل عبارات هجومية موجهة إلى شخصي! وعندما وصلت مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو اتصل بي المسؤولون عن تنظيم المحاضرة ليخبروني بأن هناك نحو 50 شخصاً من أصحاب البشرة السمراء بقاعة المحاضرة جاءوا في جماعة تدل على نيتهم بالتظاهر، وربما مقاطعة المحاضرة. وبعد الانتهاء من المحاضرة قامت سيدة وقالت لماذا تهاجمنا وتقول إننا لسنا أصل الحضارة الفرعونية؟ فقلت لها أرجو أن تسمعيني وسوف أحدثك علمياً. أنتم تعتقدون أنكم تنتمون إلى مملكة كوش السوداء، وهذه المملكة حكمت مصر في العصر المتأخر (500 قبل الميلاد)، أي مع انتهاء الحضارة الفرعونية، وسوف نجد أن آثار كوش تختلف تماماً من حيث الفن والإبداع عن الآثار الفرعونية. وهنا لا يمكن أن نقارن أهرامات مروي بالأهرامات المصرية، بالإضافة إلى أننا لو نظرنا إلى المناظر الممثَّلة على المعابد المصرية فسنرى المنظر الشهير للملك المصري واقفاً ممسكاً في يده مقمعة حجرية أو سيفاً أو سكيناً يفتك بالأعداء الذين جمعهم من شعورهم وهم جاثون أمامه ومنهم الأفريقي والآسيوي وغيرهم، وبالنظر إلى تفاصيل وجه الأفارقة من أصحاب البشرة السوداء سنجدهم مختلفين تماماً عن ملامح ولون الملك والجنود المصريين المصورين على جدران المعابد والمقابر.
قامت جادا زوجة الممثل الأميركي ويل سميث بعمل فيلم عن كليوباترا لتظهرها سوداء، وقد فشل هذا العمل تماماً لأن كليوباترا كانت مقدونية (يونانية). وقمنا بعمل فيلم آخر عرض في الوقت نفسه ضد هذا الفيلم، وأخيراً جاءت مجموعة من السود الأميركيين وتظاهروا بالمتحف المصري وقمنا بالرد عليهم من خلال فيديو نشر في كل مكان.
لا يعيب الفراعنة أو الحضارة المصرية بأن يكون أصحابها من أصحاب البشرة السوداء، كما أنه ليس شرفاً أنهم كانوا من أصحاب البشرة البيضاء، فليس للون البشرة أي علاقة بهجومنا على هؤلاء، ولكننا ضد تزييف التاريخ وضد تغيير الحقائق التاريخية من أجل تحقيق مصالح جماعات أو جمعيات. إن الحضارة المصرية القديمة هي أقدم حضارة نشأت وتطورت في الطرف الشمالي الشرقي لقارة أفريقيا، وعلى جدران مقابر ومعابد مصر القديمة تجد مختلف أجناس البشر مصورين بهيئاتهم ولون بشرتهم وملابسهم، وهناك المصريون وجيرانهم الليبيون والسودانيون والقبائل الأفريقية الجنوبية والشعوب الآسيوية من بلاد النهرين وسوريا وفلسطين.