بقلم : زاهي حواس
موكب المومياوات الملكية
تتبقى فقط أربعة أيام على الحدث العظيم والذى سوف يهز العالم كله، ألا وهو نقل 22 مومياء ملك وملكة حكموا مصر القديمة فى عصرها الذهبى، حيث أقام هؤلاء الملوك أعظم إمبراطورية حكمت العالم القديم بالحق والعدل.
هناك تخوف من البعض حول عملية نقل المومياوات، وأود أن أطمئن كل المصريين أن هناك إجراءات تمت على أعلى مستوى لكى لا تتعرض أى مومياء لأى مشكلة، بل إنها سوف تنقل فى عربات صممت من الداخل لهذا الغرض. وقد سألنى صديق: لماذا هذا الاهتمام البالغ بالحدث الذى سوف يقام يوم 3 إبريل؟ فقلت له إن كل تليفزيونات وصحافة العالم سوف تكون بالقاهرة قبلها بيومين لتغطية هذا الاحتفال العظيم، ولك أن تتصور حجم الدعايا التى سوف تحصل عليها مصر، ولو دفعنا ملايين الدولارات لكى نعلن عن أمان مصر لما وصلنا إلى هذا الكم من الدعايا والتى سوف تدخل إلى كل بيت فى كل مكان بالعالم. وبلا شك، فسوف يكون لهذا الحدث أهمية فى أن تعود السياحة مرة أخرى لمصر. وقلت أيضاً عندما سافر الملك رمسيس الثانى إلى فرنسا ليخضع لعملية ترميم تم استقباله كملك حى وعُزف له كل من السلام الجمهورى المصرى والفرنسى، وكذلك عندما أعدت مومياء الملك رمسيس الأول من ولاية أتلانتا قوبل بمطار القاهرة بحشد كبير من الصحافة العالمية. لذلك فإن المكسب الذى سوف تحصل عليه مصر من موكب المومياوات سنجد صداه ونحن نجلس أمام التليفزيون ونشاهد هذا الحدث الثقافى العظيم. وأهم ما فى الحدث هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف يستقبل المومياوات لكى يثبت للعالم كله أن رئيس مصر وحكومة مصر تهتم بآثارها، كما يثبت أيضاً أن الآثار المصرية لا تخص مصر فقط بل تخص العالم كله. وسوف تعرض المومياوات الملكية داخل متحف الحضارة والذى يقع بأجمل بقعة فى عين الصيرة، وحوله بحيرة جميلة ويطل المتحف على آثار مصر فى العصرين القبطى والإسلامى. وسيكون عرض المومياوات ولأول مرة بعيداً عن الإثارة كما كان بالمتحف المصرى، وسنشاهد حول كل ملك معلومات عن حياته وإنجازاته الداخلية والخارجية، هذا بالإضافة إلى كل النتائج التى وصلنا إليها عن طريقة دراسة كل مومياء بالأشعة المقطعية والحمض النووى لنتعرف على الأمراض التى عانى منها وتاريخ وفاته مع عرض للتمائم الذهبية التى كانت توضع داخل أربطة المومياء.
هذا يوم تاريخى فى حياة مصر والمصريين وسوف نفتخر كلنا بهذا اليوم بأننا أحفاد هؤلاء العظام ملوك مصر فى عصرها الذهبى.
أحمد عبدالفتاح
قد يكون هذا الاسم غير معروف، لكنه من مشاهير عالم الآثار وله بصمة واضحة فى تخصص الآثار اليونانية بالإسكندرية. عندما توليت مسؤولية الآثار كان هو الأثرى الأول أمامى فى كل ما يخص آثار الإسكندرية، وذلك لأمانته وجرأته فى الحق. وقد درست معه بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية طيلة أربع سنوات. أحمد عبدالفتاح مثقف على مستوى عال ليس فى مجال الآثار فحسب، ولكن فى كل فروع الفن والثقافة، وعندما يُسأل فى أى موضوع تجد رده دائماً مدعما بالأدلة والأسانيد، كما أنه لم يتزوج لكنه عشق الآثار واعتبرها هى زوجته وعشقه، وأعتقد أنه الشخص الوحيد الذى لا يحمل الهاتف المحمول لأن أفكاره يجب ألا يزاحمها مكالمة تليفونية. وإلى جانب دراسته فى الآثار، حصل عبدالفتاح على ليسانس الحقوق، ونال العديد من الأوسمة والتكريمات من مختلف الدول مثل وسام الفارس من فرنسا وإيطاليا، وأصبح عضواً فى العديد من المجالس والجمعيات العالمية مثل عضوية جمعية Limc لتأليف الأساطير اليونانية الرومانية، وعضو مجلس إدارة متحف البردى بسيراكوزا بباليرمو فى إيطاليا وعضو جمعية الشاعر اليونانى كفافيس بأثينا، ويدل ذلك على التقدير الدولى الذى حصل عليه الأثرى أحمد عبدالفتاح. ورغم أنه لم يحصل على درجة الدكتوراة، إلا أن ما لديه من علم يساوى مئات الدرجات العلمية.
قام بالتدريس فى العديد من المعاهد العلمية والجامعات المصرية، ويقوم بإلقاء المحاضرات منذ عام 1974 وحتى الآن مثل محاضراته فى معهد جوتة، واشترك فى تأسيس نادى الآثار لأول مرة بالإسكندرية، وكذلك قصر ثقافة الأنفوشى. وخلال رحلة عمله فى الآثار كان مديراً عاماً لمنطقة آثار غرب الدلتا، وله دور فعال فى تطوير المتحف اليونانى الرومانى، حيث يقوم حالياً ومعه د. منى حجاج بإعداد الكتالوج الخاص بالمتحف، وقد اشترك أيضاً فى تأسيس متحف المجوهرات الملكية ومتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية وكذلك متحف الإسكندرية القومى.
ورغم أنه تقاعد عام 2004، إلا أنه عين مشرفاً عاماً لمتاحف وآثار الإسكندرية ولايزال هو المرجع الوحيد عن الإسكندرية، هذه المدينة الجميلة العظيمة. ومن خلال عمله قام بالكشف والتنقيب عن الآثار بالعديد من المناطق الأثرية سواء بالإسكندرية أو البحيرة، وله العديد من المقالات العلمية وخاصة فى مجال الدراسات اليونانية الرومانية. ويعتبر أحمد عبدالفتاح حجة علمية هامة بالنسبة لأعمال الترميم التى تتم بآثار الإسكندرية. قام أحمد عبدالفتاح بإعداد أجيال متعاقبة من الأثريين الذين حصلوا على درجات علمية سواء الماجستير أو الدكتوراة وله الفضل فى نشر الآثار والثقافة المصرية من خلال الصحف والأحاديث التليفزيونية، ورغم تخصصه الدقيق فى الآثار اليونانية الرومانية، إلا أنه يعتبر ضليعاً فى الآثار المصرية القديمة، حيث قام بعمل دراسات متعمقة فى اللغة المصرية القديمة وخاصة تأثير المصريين القدماء.
أحمد عبدالفتاح موسوعة فى الآثار المصرية ويستحق منا وسام الامتنان.
صالح لمعى
يعتبر رائداً ومعلماً فى مجال الترميم المعمارى فى مصر. وقد أنشأ مدرسة يتعلم فيها الكثير من طلاب الترميم واستطاع أن يفرض أسلوبه العلمى فى عالم الترميم ليس فى مصر فقط، بل فى العالم العربى. وعندما زرت آثار السعودية مع الأمير سلطان بن سلمان الذى كان يعمل رئيساً للسياحة والآثار بالمملكة كنت سعيداً جداً عندما سمعته يقول إن هذا المسجد الذى أشرف على ترميمه صالح لمعى من مصر، كما أن له بصمات واضحة فى مشروع الدرعية واستطاع أن يكون له أيضاً بصمات علمية فى المبانى من الطوب اللبن، لذلك حفر هذا الرجل اسمه بحروف من ذهب. ولكن تعرض للأسف لطابور الجهلة من أعداء النجاح ولكن فى النهاية انتصر علم وخُلُق هذا الرجل العظيم، ودخل خفافيش الظلام إلى جحورهم.
حصل د. لمعى على بكالوريوس العمارة من جامعة عين شمس ودبلوم من جامعة شتوتجارت وآخن للتكنولوجيا بألمانيا، كما حصل أيضاً على درجة الدكتوراة من جامعة آخن قسم تاريخ المعمار والترميم. لن أستطيع هنا أن أعدد إنجازاته فى آثارنا الإسلامية لكنى أذكر أنه قام بترميم العديد من المنشآت مثل المعهد الألمانى للآثار بالقاهرة والمركز الإقليمى للحفائر والأبحاث بأسوان والأقصر مستخدماً القباب والأقبية فى طريقة البناء. عمل مستشاراً أكاديمياً للجامعة العربية ببيروت وأستاذاً مساعداً لتاريخ العمارة بهندسة الإسكندرية وعميداً لكلية العمارة بالجامعة العربية ببيروت ومدير مركز الترميم والحفاظ على الممتلكات الثقافية بمدينة القدس القديمة، كما عمل مستشاراً للتراث والثقافة بمؤسسة الحريرى بلبنان ومستشاراً لمنظمة العواصم والمدن العربية للعمران والعمارة الإسلامية. وعندما كنت مسؤولاً عن الآثار فى مصر قدمت له أهم جائزة وهى جائزة العالم العربى، وعن أهم جائزة حصل عليها هى جائزة «جازولا» العالمية عن إنجازاته، ويعتبر أول شخصية عربية فى العالم العربى والاسلامى بل وفى أفريقيا يحصل عليها، وهى جائزة أنشئت عام 1979 لتخليد ذكرى بييرو جازولا، أحد أكبر المدافعين عن الحفاظ وترميم الآثار فى العالم كله، وهى عبارة عن دبلوم وميدالية، كما حصل على تكريم كبير من مؤسسة الحريرى.
قال لى الأمير سلطان إن د. صالح لمعى يحظى بالتقدير من كل دول العالم ولم تكرمه مصر، لكنى رددت عليه قائلاً إننا منحناه أعظم وسام مصرى فى عيد الأثريين.
د. صالح لمعى رجل محترم متواضع ولا أنسى أنه وقف بجانب الحق عندما كانت هناك رغبة من الفاشلين فى تدمير منطقة الهرم، لكنه دفع ثمن موقفه غالياً حيث حرم خلال مدة من ترميم آثار مصر. هذا الرجل يستحق وسام الامتنان.