افتُتح، منذ أيام، معرض الفرعون رمسيس الثانى، ملك فراعنة مصر القديمة، بمتحف الفنون، المعروف باسم «دى ينج»، واحد من أهم متاحف مدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية. ويتكون المعرض من ١٨١ قطعة أثرية تنتمى إلى مختلف العصور الفرعونية، والعديد منها يرجع إلى عصر رمسيس الثانى، بالإضافة إلى مجموعات من الحلى والتوابيت التى ترجع إلى عصر ملوك تانيس. وقد حضر حفل افتتاح المعرض ثلاثة آلاف شخص من السياسيين والفنانين والإعلاميين وأيضًا رجال المال والأعمال. وقد ترأس الوفد المصرى المشارك فى الافتتاح الأستاذ الدكتور على عمر، أستاذ الآثار المصرية بكلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان.
والملك رمسيس الثانى هو أشهر ملوك مصر، يعرفه الشعب الأمريكى جيدًا، خاصة بعد أن استغلت هوليوود اسم الملك وشهرته لتجعله فرعون الخروج فى أفلامها. وتسبق شهرة رمسيس الثانى شهرة الملك توت عنخ آمون، الذى لم يتجاوز حكمه عشر سنوات، بينما حكم رمسيس الثانى مصر ٦٦ سنة، ولذلك يُلقب بملك فراعنة مصر القديمة، وحاكم كل الحكام، والملك القوى، والمنتصر. وهو أول ملك فى التاريخ يوقع على معاهدة سلام مع عدوه، ملك الحيثيين، بعد حروب طاحنة كان أشهرها معركة قادش.
تزوج رمسيس الثانى ثمانى ملكات، وأنجب حوالى مائة من الأمراء والأميرات، مات كثير منهم فى حياته. وقد شيّد أجمل مقبرة لزوجته، الملكة نفرتارى، التى كانت أَحَبَّ النساء إلى قلبه، كما أنه شيّد لها معبدًا صغيرًا إلى جوار معبده الكبير بمنطقة أبوسمبل عند حدود مصر الجنوبية.
وبمجرد وصولك الى مدينة سان فرانسيسكو سوف تجد صور رمسيس الثانى فى كل مكان من حولك فى الشوارع أو على وسائل المواصلات وحتى داخل المطاعم والفنادق، وبالتالى أصبح ملك مصر رمسيس الثانى هو أشهر شخصية حاليًا بالمدينة، وهو كذلك حديث الصحف والقنوات التليفزيونية، وبالتالى فقد حصلت مصر بالفعل على أكبر وأضخم دعاية لتاريخها وحضارتها وآثارها ودون أن ندفع مليمًا واحدًا. وقد أقام مدير المتحف، توم كامبل، ومعه أمينة قسم الآثار بالمتحف، الدكتورة رينيه شرنيفس، حفل عشاء للوفد المصرى، حضره كل أثرياء المدينة. وبعد حفل العشاء، تحدث «كامبل» عن المعرض الذى سيُفتتح فى اليوم التالى، وقد وصف المعرض بأنه أجمل معرض آثار يستضيفه المتحف وسان فرانسيسكو إلى الآن، وقد أسهب فى مدح تصميم المعرض وقاعاته والآثار التى ليس لها مثيل بمكان على كوكب الأرض. وقد طلب منى مدير المتحف أن ألقى كلمة، فقلت إن هناك حالة عشق خاصة بينى وبين رمسيس الثانى، خاصة أننى كشفت لهذا الملك عن آثار مهمة جدًّا.
كان الكشف الأول عند الزاوية الجنوبية الشرقية لهرم الملك منكاورع بالجيزة، حيث قمت بالكشف عن تمثال ضخم مزدوج للملك رمسيس الثانى والإله رع حور آختى، وقد حدث- قبل أن يشارف النحات الملكى على الانتهاء من التمثال- حدوث شرخ فى الحجر الجرانيتى الوردى للتمثال، مما جعل النحات يهمله فى موضعه قبل الانتهاء من نحته. أما الكشف الثانى فقد حدث بمنطقة المطرية أثناء قيام محافظة القاهرة بإنشاء مجمع تجارى ليحل محل سوق الخميس العشوائية، حيث تم الكشف عن معبد ضخم لرمسيس الثانى والعديد من التماثيل والقطع الأثرية والجدران المنقوشة. وحدث الكشف الثالث فى مدينة أخميم بمحافظة سوهاج، والتى بُنيت فوق المدينة القديمة الأثرية، التى كانت تضم معبدًا ضخمًا لإله الخصوبة عند المصريين القدماء «مين». وقد حدث أن قام الأهالى ببناء مقابر حديثة لهم فوق منطقة أثرية، وأثناء دفن أحد الموتى أبلغ بعضهم عن وجود آثار بالمقبرة، بعدها كشفت وجود رأس ضخم للملك رمسيس الثانى، وقمت بعدها بإجراء حفائر موسعة بالمنطقة، قادها الأثرى منصور بريك.
انتقلت من الحديث عن رمسيس الثانى إلى الحديث عن علاقتى بمدينة سان فرانسيسكو، ففى منتصف السبعينيات كنت مفتشًا لأهرامات الجيزة، وكنت وقتها أقيم باستراحة جميلة تطل على هرم الملك خوفو، وأثناء تجولى بالمنطقة قابلت شخصين تعرفا علىَّ، أحدهما هو والتر نيومان، وكان متزوجًا من ابنة الثرى الأمريكى الشهير «إى ماجنن»، والثانى هو مدير متحف دى ينج فى ذلك الوقت، وقد قدما إلى مصر بناء على طلب «إى ماجنن» لكى يقوما بالتفاوض مع المسؤولين المصريين لعرض آثار للملك توت عنخ آمون فى خمس مدن أمريكية، وتم بعد ذلك اختيار ٥٥ قطعة أثرية من آثار توت سافرت إلى أمريكا عام ١٩٧٦، وكان من ضمنها القناع الذهبى. قمت بدعوة الضيفين إلى تناول الشاى فى الاستراحة التى أقيم بها، وهناك قمت بالاتصال بالراحل العظيم فؤاد العرابى، رئيس هيئة الآثار، وطلبت منه مقابلة الضيفين والتفاوض معهما، وقد قبل فؤاد العرابى فكرة إقامة المعرض، على أن تكون مدينة سان فرانسيسكو هى المدينة السادسة.
انتهى حفل العشاء، والكل متشوق لحضور فعاليات افتتاح معرض الملك رمسيس الثانى فى اليوم التالى، حيث عُقد المؤتمر الصحفى داخل المتحف، وتحدث بداية توم كامبل عن المعرض، وأنه سوف يستمر لمدة خمسة شهور ونصف الشهر. وللمرة الثانية، طلب منى توم كامبل الحديث خلال المؤتمر، وبدأت بطرح السؤال الذى أعلم أنه يدور فى رأس الجميع، وهو: هل رمسيس الثانى هو فرعون الخروج فعلًا؟. وقلت: الإجابة لا!، فليس لدينا أى دليل سواء لغويًّا أو أثريًّا يؤيد كون رمسيس الثانى هو فرعون الخروج. وذلك على الرغم من أننا لدينا الأدلة الأثرية التى تثبت وجود اليهود فى مصر فى ذلك العصر، ولعل أشهرها لوحة الملك مرنبتاح المعروفة بـ«لوحة النصر» أو تحريفًا بـ«لوحة إسرائيل». والنقش الموجود على هذه اللوحة يعدد انتصارات مرنبتاح، ابن رمسيس الثانى، على الشعوب والبلدان الأجنبية، وقد ورد فى نهاية النص ذكر «.. أُبيد شعب إسرائيل، وانتهت بذرتهم..». وبالطبع لم يكن كاتب اللوحة ليُمجد ويُعدد انتصارات ملك ميت!، ولا بد من أن اللوحة قد نُقشت فى حياة مرنبتاح، الأمر الذى قد يشير إلى أن فرعون الخروج ربما كان قبل مرنبتاح أو بعده، لكن ليس لدينا دليل على مَن يكون هذا الملك.
انتقلت بالحديث إلى ما يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيسى والحكومة المصرية من إجراءات وأعمال للحفاظ على التراث المصرى من منطلق أنه لا يخص مصر وحدها، لكنه تراث إنسانى عالمى، ومن هذا المنطلق تتحرك الدولة المصرية بمتابعة دائمة من الرئيس عبدالفتاح السيسى للانتهاء من مشروع المتحف الكبير وافتتاحه قريبًا، وهو الحدث الثقافى الأهم فى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين. وقد قارب مطار سفنكس على البدء فى استقبال السياحة العالمية، ويتم حاليًا الانتهاء من تطوير منطقة آثار الهرم والمنطقة المحيطة بالمتحف المصرى الكبير، الذى سوف يستقبل زائريه بمسلة للملك رمسيس الثانى وتمثاله الشهير، الذى قمت بنقله من ميدان رمسيس إلى منطقة المتحف الكبير، الذى يضم ما يسمى الدرج العظيم، وعليه يتم عرض تماثيل ملوك مصر العظماء.
وسوف يتم، ولأول مرة، عرض كنوز الملك توت عنخ آمون بالكامل للزائرين. هذا بالإضافة إلى وجود متحف للأطفال ومتحف لعرض مراكب الشمس الخاصة بالملك خوفو كل ذلك فى محيط المتحف المصرى الكبير، الذى سيضم منطقة للتسوق وأخرى للكافتيريات. وقد حرصت على التأكيد أن مصر بلد الأمن والسلام ترحب بكل زائريها من مختلف دول العالم. تحدثت عن مشروعات تطوير القاهرة الإسلامية والقاهرة التاريخية، وعن حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على الانتهاء من المشروع العملاق للعاصمة الإدارية الجديدة، التى ستضع حلولًا جذرية للعديد من مشاكل القاهرة التاريخية. وقد أسهبت فى الحديث عن العاصمة الإدارية الجديدة، خاصة ما تضمه من مدينة للفنون والثقافة ومتحف عواصم مصر، وكان الجميع متلهفًا حقًّا لمعرفة حقيقة ما يحدث فى مصر من تطوير ونقلة حضارية تضمن الحياة الكريمة لكل المصريين، وتضع مصر فى مكانتها المستحقة بين دول العالم كبلد عريق مهد للبشرية طريق المعرفة والحضارة.
انتهى المؤتمر الصحفى، وتم افتتاح المعرض للموجودين من كبار الشخصيات والإعلاميين، وقد لاحظت مدى انبهار الجميع بالمعرض والآثار الفرعونية سواء النقوش أو التماثيل أو الحلى والمجوهرات، وكذلك مومياوات الحيوانات الصغيرة فى نهاية المعرض، ومعروف مدى شغف الأمريكان بتربية القطط والكلاب.
إن أهمية معرض الملك رمسيس الثانى لمصر فى تلك المرحلة المهمة من التاريخ تكمن فى كون هذا المعرض صوتًا حقيقيًّا يتحدث ويعبر عن عظمة ذلك البلد مصر وأبنائه منذ فجر تاريخهم وإلى يومنا هذا، وستظل مصر تبهر الناس فى كل مكان على كوكب الأرض بإنجازاتها قديمًا وحديثًا.