توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحمد رجب

  مصر اليوم -

أحمد رجب

بقلم - دكتور زاهي حواس

مرَّت أعوام كثيرة على وفاة صديقى الكبير الكاتب أحمد رجب، أيقونة الصحافة المصرية، والذى لا يزال يعيش في وجدانى ولا يزال صوته في أذنى، وقد جمعنى لقاء مع الفنانة ساندرا نشأت، منذ أيام قليلة، وجلسنا نستعيد ذكرياتنا مع صديقنا الراحل، الذي كنت أستمتع بمكالمته يوميًّا. كانت تجمعنى وأحمد رجب وعمر الشريف وأنيس منصور أجمل اللقاءات التي لا يمكن نسيانها. لذلك وجدت أن هناك ضرورة لأن أكتب عنه كما اعتدت منذ سنوات طويلة.

لقد تعودت اكتشاف حقيقة ما يحيط بى من أحداث وقضايا من خلال قراءة 2/1 كلمة لكاتبنا الراحل العظيم أحمد رجب، والتى تحولت إلى واحد من ملامح بلد بأكمله وليس منشورًا في صحيفة يومية فقط. كان أحمد رجب كاتبًا من طراز نادر أدهش الجميع بقدرته على التواصل مع الأجيال، كلماته القصيرة الجريئة صورة طبق الأصل من هموم وأحلام المصريين، يضع يده بذكاء فطرى على كبرى القضايا والأزمات التي تواجه المجتمع ويداويها بقلمه وكأنه جراح في خدمة الشعب. لم يكن أحمد رجب مجرد كاتب ساخر ولا هو مجرد مبتكر لكثير من الشخصيات الكاريكاتيرية الشعبية في الصحافة المصرية والعربية!، بل كان فيلسوفًا في هيئة صحفى. لم يكن يقدم على الكتابة إلا بعد أن يمتلئ خياله ووجدانه، وتفيض به نفسه ومشاعره ويصل إلى مرحلة التعبير بكلمات معدودة لكنها مُصاغة عن طريق فنان. كانت كلماته تعبيرًا صادقًا عن قضايا وهموم وطنه وأرضه وناسه، غير أنه تعبير يتفق ويتسق وما كان يحس به وما يُمليه عليه ضميره الحى لتظل كلماته وأعماله محفورة بداخلنا.

وفى تقديرى أن عظمة أحمد رجب وتفرده كانت تعود إلى ثقافته الواسعة ورؤيته الثاقبة وتحليله الواعى للأمور وكذلك فهمه للبشر والطبيعة الإنسانية. لقد كان واحدًا من أكبر مثقفينا؛ كاتبًا شاملًا له العديد من المؤلفات والإسهامات الأدبية والفنية المتنوعة من كتب ومسرحيات ونصوص أفلام سينمائية وتليفزيونية. كان يقرأ بنهم في شتى فروع المعرفة، ويطّلع على الإصدارات والإبداعات الأدبية والفنية، دائم التأمل في الأحوال المحيطة على مختلف مستوياتها. لقد تعلمت من أحمد رجب أن الكلمة القصيرة المركزة أشد تعبيرًا من مقالات طويلة قد لا يُكملها القارئ.

ولقد حاولت أن أدخل في عالم الفراعنة وأفتش بين جميع عباقرتهم وحكمائهم سواء كانوا مهندسين بنوا أعظم الأهرامات والمعابد والمقابر أو كُتابًا وفلكيين وكهنة وأطباء.. فلم أجد واحدًا منهم ينافس هذا العبقرى

المصرى الساخر أحمد رجب سوى «إيمحوتب»، رب المثقفين، كبير حكمائهم، الذي كانوا يرتلون اسمه وينثرون الماء البارد ترحُّمًا على ذكراه، وذلك قبل البدء في أي مشروع أدبى أو علمى.. وسألت نفسى: هل كان إيمحوتب يستطيع أن يكتب جملًا بسيطة تُغنى عن كتب بأكملها؟.

تأثرت شخصية أحمد رجب كثيرًا بنشأته في مدينة الإسكندرية الساحرة، فاكتست بهدوء البحر وثورته وعمقه في آن واحد، وجاءت دراسته للحقوق لتصقل شخصيته وموهبته، فأثناء دراسته في الكلية أصدر مع آخرين من رفاقه مجلة «أخبار الجامعة»، وكانت مدخلًا لعالم الكتابة والصحافة، حيث تعرف من خلالها على مصطفى وعلى أمين، وانضم بعد تخرجه مباشرة إلى «أخبار اليوم»، وعمل مراسلًا بها بالإسكندرية، وظل شهورًا يكتب ويرسل مقالاته إلى موسى صبرى، رئيس تحرير «مجلة الجيل»، وقتها، دون أن يقابله حتى جاء موسى صبرى في زيارة إلى مدينة الإسكندرية، والتقى أحمد رجب، وعرض عليه أن ينتقل إلى القاهرة ليعمل معه في «مجلة الجيل»، واستطاع من خلال موهبته الصحفية الفذة أن يصعد بسرعة الصاروخ ليصبح في غضون سنوات قليلة نائبًا لرئيس تحرير مجلة الجيل، وكانت في وقتها من أشهر المجلات الصحفية في مصر، ثم مديرًا لتحرير مجلة «هى» عام ١٩٦٤، وبعدها رفض أحمد رجب بإصرار غريب وعجيب أن يتولى منصب رئيس تحرير كل الصحف والمجلات التي عُرضت عليه، وفضّل أن يظل كاتبًا لمقاله اليومى الشهير 2/1 كلمة، وعندما سُئل عن سبب ذلك، قال إن الكاتب الصحفى يجب أن يتفرغ للكتابة حتى يبدع فيها.

ولأن أحمد رجب كان كاتبًا من العيار الثقيل، فقد قامت الدكتورة منار المراغى بكلية الألسن جامعة عين شمس بإعداد أطروحة بعنوان «الاتصال الجماهيرى المكتوب، دراسة لغوية تطبيقية»، واتخذت الدكتورة منار من عمودى أحمد رجب «2/1 كلمة» و«الفهامة» نموذجًا لذلك، وقد أكدت الدراسة أن أحمد رجب هو واحد من الكُتاب القلائل الذين تتوافر لديهم القدرة على صياغة لغتين متباينتين متناقضتين من ألوان العمود الصحفى وهما «2/1 كلمة»، و«الفهامة»، محافظًا فيهما على اختلاف التقنيات الأسلوبية والنوعية الخاصة بكل منهما؛ ويبدو جليًّا أن ما استوقف الدكتورة منار المراغى هو لغة أحمد رجب الثرية وأسلوبه الفريد في الكتابة لدرجة أن الظواهر اللغوية التي يستخدمها لا نستطيع إحصاءها بسبب تنوعها وكثرتها وتجديده لها باستمرار، مما يوفر لأى باحث مادة غنية تُغرى بالبحث والدراسة المتعمقة. كان أسلوبه في الكتابة يعتمد على السخرية ومفارقة النغمة، أو السخرية عن طريق كسر المزاوجات اللفظية، أو التعريض، وهو يأتى في مقدمة كُتاب الأعمدة الصحفية في التقريب بين الفصحى والعامية، كما أنه كان لديه في الكتابة الكثير من الأساليب الإقناعية وأهمها الأساليب اللغوية في استخدام الأسلوب الشرطى، والأسلوب الاستفهامى، كما أنه كان- كما ترى الدكتورة منار المراغى- يُعد أول مَن استخدم فن «الإبيجرام النثرى» في العمود الصحفى، والذى يتسم بإيجاز العبارة وتكثيف المعنى وحسن الختام، الذي غالبًا ما يكون ختامًا مفارقيًّا يثير القارئ ويدفعه إلى قدح زناد فكره ليصل إلى المعنى الخفى المقصود من الرسالة.

قليلون جدًّا مَن كانوا يعرفون ما يدور بداخل عقل وقلب أحمد رجب، ولم أرَ في حياتى إنسانًا منغلقًا على نفسه بمثل هذه الصورة، فلا أحاديث صحفية ولا برامج تليفزيونية ولا يمكن لأحد أن ينتزع منه تصريحًا أو رأيًا في أي قضية وينشرها على لسانه، ولعل صمته كان سببًا واضحًا في انه أمضى حياته العملية دون اشتباكات على الرغم من انتقاداته اللاذعة لكبار المسؤولين ورجال الدولة.

لقد أصبحت شخصيات أحمد رجب التي أبدعها مع ريشة الفنان العظيم مصطفى حسين جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتحظى بمتابعة ملايين القراء، الذين كانوا ينتظرونه كل صباح؛ حيث يضرب بها الناس المثل إذا أرادوا أن يعبروا عن أوضاع مجتمعهم المقلوبة، أمثال عبده مشتاق، الذي يحلم بكرسى الوزارة عند سماع أي خبر عن تعديل وزارى في الطريق، وكمبورة الانتهازى الفاسد، الذي كوّن ثروته مستغلًّا الانفتاح الاقتصادى غير المنظم في عصره، وعبدالروتين، البيروقراطى، الذي يسعى دائمًا لتعطيل مصالح الناس، إلى جانب حوارات عزيز بيه الأليط مع الكُحِّيت المُدَّعِى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحمد رجب أحمد رجب



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon